نصادف في حياتنا بعض الأمور التي لا نستطيع أن نتجاوزها دون أن يكون لنا فيها ما يثبت شيئا ما بداخلنا دون قصد في ذلك أو نية مبيتة، تماما كما حدث لي في موقف قديم لم أستطع أن أتجاوزه دون أن أتدخل في أحداثه، هناك ما دفعني لكي أكون جزءا من تلك الحكاية، البداية كانت عند ذهابي لشراء بعض الحاجيات وعند خروجي من أحد المحال التجارية، وقعت عيناي على أحدهم ممن كان للزمن أثر واضح على انحناء ظهره، كان يحاول حينها قطع الطريق العام، يترقبه بعينان يكتنفهما القلق يتدحرجان يمنة ويسرة كي يستطيع العبور بأمان، أتذكر جيدا تلك الرجفة التي كانت تحتل يده لتهتز على أثرها الأكياس العالقة فيها، إذ كانت كفيلة بأن تصل إلى أعماقي لتهز شيئا ما، لم تكن قدماي من هرعت لمساعدته بل سبقها قلبي الذي لن يغفر لي لو لم أفعل.
ألقيت التحية واستأذنته بأخذ ما بيده والرغبة في العبور معه للجهة الأخرى، كنت أحاول جاهده أن لا يشعر بأني أحاول مساعدته كي لا أكشف له خيانة قدماه التي كان من المفترض أن تكونا عونا له في هذا الموقف، ابتسم لي بلطف وعبرنا الطريق بسلام، وعند وصولنا للطرف الآخر منه أعدت إليه حاجياته كي يكمل طريقه، فنظر إلي بنظرة حانية وقال: «الله يوفقك ويفتح لك الأبواب المغلقة والطرق المسدودة يا بنتي» حينها حان دوري لتخونني عيناي إذ انهمرت بشكل مفاجئ دون توقف، أدركت حينها جمال أن ننجذب طواعية للبياض والطهر الإنساني الذي في دواخلنا من خلال أبسط ما قد يمر في حياتنا اليومية دون أن ننتظر مقابلا من أحد، ليتجدد فينا الشعور المطمئن بأننا ما زلنا على قيد الإنسانية مهما كبلتنا مشاغل الحياة ومهما بلغنا من علم أو منصب، وهذا ما يقودنا للاستشهاد بقول الفيلسوف فوفالس «إنه لا يمكن لأي إنسان أن يصبح عالما بمعنى الكلمة من غير أن يكون قبل ذلك إنسانا بمعنى الكلمة».
قد يتلمس الكثير منا في هذه الأيام مواضع إنسانيته من خلال أبسط الأمور التي يقوم بها ولا يكترث لعمقها ومدى أثرها لدى الغير، يكفينا من ذلك أن نحاول جاهدين بأن لا نسمح لهذا الداء العابث في البشرية أن يتسلل من خلالنا إلى الآخرين إذ تحتم علينا إنسانيتنا قبل كل شيء أن نلتزم بطرق الوقاية الصحيحة كي يغادرنا هذا الوباء بأقل الخسائر، فقد أصبحت مفاتيح عافيتنا بيد بعضنا البعض بعد الله، ولن نجد فرصة أفضل من هذه نثبت من خلالها أننا على قيد الإنسانية.
11Labanda@