رفع منع التجوال كليا في الأيام القليلة السابقة بعد إغلاق كلي وجزئي امتد لقرابة أربعة أشهر أتى بنتائجه على كافة جوانب الحياة، هذه المرحلة الجديدة المتمثلة في تخطي إجراءات الحظر وما يتبعها من التزامات كتصاريح التنقل والتجول، تمثل تقاسما جديدا في المسؤولية ما بين الدولة وأفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين.
في الأربعة الأشهر الماضية كانت المسؤولية تقع على عاتق الدولة وأجهزتها الأمنية بشكل كبير، من خلال فرض المنع بنوعيه، والمناوبة على ضبط حركة الأفراد من التفلت والمراوغة، وبلا شك شكلت هذه الإجراءات حملا كبيرا ومجهدا على كافة منسوبي الأجهزة الأمنية وهم يشكرون على ذلك، ومن جهة أخرى أثرت تأثيرا لا يمكن إنكاره أو تجاهله .
ربما يخلط البعض بين أهمية الاقتصاد والصحة الإنسانية في هذه المرحلة، مما يتسبب برؤية وفهم غير واضحين للأحداث، في بداية الجائحة، وفي طور التعرف على تفاصيل الوباء، عن مدى فتكه بالكائن البشري، وكيفية التصدي له ورعاية المصابين، وختاما الوقاية منه، أقرت حكومة المملكة مباشرة وبعد أول إصابة قادمة من الخارج منعا جزئيا تبعه منع كلي، بهدف الحفاظ على صحة الإنسان وهي بهذا قدمت تضحية تاريخية اقتصادية كبيرة بإيقافها لكافة نشاطات العمل، والنشاطات التجارية المؤثرة بشكل مباشر، أربعة أشهر كانت كافية لخلق الوعي اللازم في عقول الناس وسلوكياتهم تجاه الظروف الراهنة، ولا أعتقد بأننا في حاجة لأكثر من هذه المدة لإدراك طبيعة ما يحدث.
ووفقا لهذا انتقلت الكرة الآن إلى ملعبنا نحن المواطنين والمقيمين، وأصبحت مسؤوليتنا تقع بالتناصف بيننا وبين الدولة، فاستمرارية المنع تعني خسائر اقتصادية أكثر، وإن خسر الاقتصاد من هنا خسر الإنسان من هناك، جميعها ضروريات يجب التعامل معها بتوازن واهتمام متكافئ، ومن البديهي أن الاقتصاد يقوم ويزدهر بالإنسان، وبينما يتمكن الإنسان من حماية نفسه والنأي بها عن المخاطر فإن الاقتصاد لا يستطيع فعل ذلك.
إنها مرحلة لا تقل حساسية عن سابقيها، هي عودة للحياة، لكنها ليست عودة طبيعية، إذ يشوبها الحذر والخوف، والتوصيات المستمرة لأن الخصم لا يزال موجودا، ومترصدا، هي أقرب لعملية انتقاء طبيعي على الطريقة الداروينية يبقى الأذكى والأكثر حرصا وتكيفا مع التغيرات الصحية والبيئية، في حين يندثر من يقل ذكاؤه، حرصه وتكيفه.
@naevius_