ذكرت في المقال السابق أن الذي سيبقى لنا من جائحة (كورونا المستجد) هو الدروس والذكريات. واليوم وددت أن أطرح بعضا منها. فهذه الأزمة هي تاريخية وواسعة التأثير على مختلف الأصعدة مثل: السياسية والاقتصادية والطبية والاجتماعية. ومن المؤكد أنه سيطول الحديث عنها، وسيكون هناك كتب وأفلام وروايات وقصص تحكى وتقال جيلا بعد جيل. وإليكم بعض الدروس المستفادة من هذه الجائحة حتى الآن..
أعتقد أن أبلغ درس نتعلمه منها أن الإنسان مهما بلغ من التطور الطبي والتكنولوجي، وصناعة القوة الآلية، والقدرة على تسخير الموارد والإمكانيات سيبقى ضعيفا أمام السنن الطبيعية والكونية، ففيروس لا يرى بالعين المجردة استطاع أن يشل حركة العالم برا وبحرا وجوا، وهذا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: «وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا»، وسيبقى الإنسان مهما تكبر أو اغتر بقوته محتاجا إلى لطف الله ورحمته.
ومن الدروس المهمة ضرورة التلاحم والوعي المجتمعي خصوصا خلال فترة الأزمات والجائحات، والمجتمع المدني سيظل يحتاج إلى التعاون المشترك ونسيان الفردية والأنانية في مثل هذه الحالات. وهذه الجائحة تثبت فعليا أن خطأ الفرد المستهتر والمتهاون ممكن أن يغرق السفينة!، وهو يوضح بجلاء مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: «فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا».
ومنها أن متطلبات حياة الإنسان في الأصل بسيطة وليست معقدة، وأنه ممكن العيش بدون كثرة الاستهلاك أو الإسراف في الملبس والمشرب والمأكل، ويمكنه أيضا التخلص من الكماليات المثيرة والكثيرة. ويشرح تلك الفكرة بشكل سلس ومبسط حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». فكل ما نراه من حولنا من تعقيدات صنعها الإنسان بيديه! وكان الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو يرى أن العودة إلى الطبيعة (يعني البساطة في العيش) هي الأقرب إلى حياة وراحة الإنسان.
ومن الدروس أن العمل عن بعد سيكون الخيار الأمثل لكثير من شركات التقنية والإنترنت من أجل تقليل عدد الموظفين وخفض مصاريف التشغيل والصيانة. وستقل حركة التنقل للموظفين بين المناطق والمدن في الشركات الكبرى، وسيكون عقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات (أونلاين)، فذلك أقل تكلفة وأسرع تنظيما وآمن صحيا.
وسنلاحظ في السنوات القادمة القريبة تطورا مذهلا في سرعة الإنترنت وخدماتها المقدمة، وستصبح هي كأهمية الكهرباء التي لا يستغنى عنها في أي منزل أو مكتب. وسينتشر بين الناس بشكل واسع استخدام ما يسمى (إنترنت الأشياء) والتي يرمز لها (IoT).
في سبعينيات القرن الماضي عندما قال بيل غيتس: إن المستقبل هو للكمبيوتر الشخصي لم يصدقه إلا القلة! واليوم سيتطور الجوال وسيحل محل الكمبيوتر الشخصي! والسبب سهولة حمله واستخدامه، وكثرة التطبيقات ونموها بشكل سريع. بالإضافة إلى أن القطاعين الخاص والعام متجهان بقوة نحو الخدمات الإلكترونية.
ومن الملاحظ أنه حين جلسنا في بيوتنا أصبحت الأرض والأجواء أقل ضجيجا وأقل تلوثا! وهذا يدل بوضوح على أن استهلاك وسلوك الإنسان هو من العلل الرئيسية للتلوث البيئي بأنواعه بسبب الإسراف في استخدام المواد الطبيعية، وقلة الاهتمام بالطاقة المتجددة. وما ثقب الأوزون والاحتباس الحراري منا ببعيد!!
وعلى الجانب الآخر سيكون الاهتمام أكبر بالصحة والنظافة الشخصية. وسيزداد الاهتمام أيضا بالأكل الصحي وممارسة الرياضة من أجل بناء جسم سليم ومناعة أفضل.
وختاما، كان الدرس الروحي حاضرا بقوة في المشهد، فقد افتقدنا المساجد والألفة الجماعية للصلاة. والجانب الروحي - النفسي للمساجد يشعرك بأنك جزء من مجتمع صغير على مستوى الحي، ولكنك أيضا جزء من الصورة الأكبر على مستوى الأمة العربية - الإسلامية. ولأهمية هذا الجانب فقد سماه ستيفن كوفي في كتابه «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» عادة (سن المنشار) بمعنى الاهتمام بالروح والنفس بشكل مستمر لتبقى شعلة الإنجاز والعمل متقدة، وحتى نشعر بنبض الحياة.
abdullaghannam @