منذ قديم الأزل وهناك نوعان من الأشخاص، ذلك المنطلق المرح الذي تزدهر نفسيته في الأماكن المزدحمة، والآخر التأملي الذي يحتاج لأن يقضي وقتا أطول مع نفسه لإعادة شحن طاقته، ومنذ عصر مدرسة «كارل يونغ» تعتبر الانبساطية والانطوائية هما أهم تقسيم للشخصية، وقطبا الحالة المزاجية، ومن الاختزال المظلم أن نقول إن الانطوائيين غير اجتماعيين، بينما الانبساطيون اجتماعيون، فكلاهما اجتماعيون بصورة متباينة، فعندما تكون الغرفة مليئة بالأحاديث الصاخبة يصبح الأمر متعبا للانطوائي ومستنزفا لطاقته، وعلى النقيض فقد يشعر الشخص الانبساطي بتكدر المزاج أو افتقاد البهجة إذا قضى اليوم وحده، نظرا لاحتياجه إلى التفاعل مع الآخرين لكي يشعر بالحياة، ووفقا لأسلوب التحاور يميل الانبساطي للدردشة حول الأمور العامة أولا ويؤجل الأكثر أهمية بعدها، بينما يسير الأمر بالعكس مع الانطوائي، حيث يرتاح بالقفز مباشرة لجوهر المحادثة، ويؤجل الدردشة للنهاية، ومعظم المجتمعات تمتدح الشخص المنفتح بينما يوصم الانطوائي بالبرود وعدم التفاعل، وقد يختلف الأمر في الشرق الأقصى، حيث يمدح الانطوائي الذي يميل للعزلة والصمت والإنصات والتفكير والمثابرة الهادئة، ويوصف الانبساطي بأنه كثير الكلام واستعراضي، ولقد سعت الكثير من كتب تطوير الذات لتشجيع الأشخاص ليصبحوا أكثر انفتاحا وتفاعلا وإعجابا بالذات، ويستمر نفس التحيز لدى معلمي المدارس الذين اعتادوا على رؤية الانطوائيين كمشكلة خاصة بالتكيف الاجتماعي يجب تصحيحها، بينما ركزت أدبيات الماضي على قيم الصمت والعزلة والتواضع، ويستمر التحيز غير الموضوعي ليصل لعالم الأعمال والشركات حيث تشير الدراسات إلى أن الانبساطي المنفتح على سرعة الحديث والتفاعل يرى بوصفه أحسن طلة وأقوى انطباعا في مقابلات العمل، ورغم عدم وجود صلة بين كثرة الحديث ونسبة الذكاء فما زال الكثير يعتقد ذلك، والمشكلة الناجمة في ذلك التركيز الكامل على الانبساطيين في ثقافة ما أو مجال ما، سواء كانت شركة أو جامعة أو مجتمعا، هو استيلاؤهم على عملية اتخاذ القرار لكونهم أكثر جرأة، وتجاهل الكثير من الآراء السديدة والحكيمة لدى الأشخاص الأقل حديثا والأكثر هدوءا، رغم أن معظم العباقرة هم من أصحاب النمط الأقل كلاما والأكثر ميلا للانعزال والتركيز، ولقد أثبتت بعض الدراسات أن توليد الأفكار يصبح أسوأ مع ازدياد عدد المجموعة، وأن المكاتب المفتوحة تقلل الإنتاجية ويفتقر العاملون فيها للتركيز والشعور بالأمان، وتعتبر البيئة المفرطة في النشاط والإثارة سيئة التقدير فيما يتعلق بالإنتاجية، ولهذا تحتاج الشركات والمدارس إلى مزيج من البيئات التي تستوعب احتياجات جميع أنماط الشخصية، ولا بد من احترام المؤسسات لرغبة الأنماط الهادئة من أفرادها في حق العمل بهدوء عن بعد، أو امتلاك مكتب فردي منفصل لأولئك الذين تضعف إنتاجيتهم مع ازدحام المكان، والتحرر من الاعتقاد السائد بأن الشخصية المثالية هي الاجتماعية القوية المتربعة في دائرة الضوء، فهناك العديد من الأمثلة لعظماء ومبدعين تاريخيين كانوا من أصحاب الشخصية الانطوائية، وبدون الانطوائيين سيكون العالم خاليا من نظرية الجاذبية والنسبية.
LamaAlghalayini@