هل قضية الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وغريمتها جمهورية الصين الشعبية جديدة على الساحة، وهل دخلت هذه القضية مرحلة جديدة أو منعطفا شائكا في علاقاتهما المعقدة؟ هذان السؤالان وغيرهما مما يرتبط بهما تحرك العالم أجمع بكل إعلامه، ومراكز التحليل الإستراتيجي فيه، ودوائر الاقتصاد والسياسة؛ ولا يمكننا الإجابة عنهما بما يتوافق مع أداة الاستفهام «هل» بوصف أجوبتها تكون محددة ومختزلة، فيما تلك العلاقة تهمّ جميع أقطار العالم وكتله الاقتصادية والسياسية المختلفة، غير أن السؤالين المطروحين ربما يكونان أهم سؤالين في هذه الفترة ولعقدين قادمين من الزمان على كل المستويات. لكن لماذا يكون أمر هذه العلاقة بهذه الأهمية القصوى؟
في رأيي المتواضع أن هذه العلاقة، وما يتعلق بها من تحديات لكلا القوتين المتناحرتين حاليا، هي مفصل تطور وضع العالم خلال عشرينات هذه القرن، وبالطبع مفتتح التحولات في مراكز القوى العالمية. ومن أجل ذلك نجد أن كلاً من الأوروبيين (الاتحاد الأوروبي)، والبريطانيين بعد انفصالهم عن أوروبا شبه المكتمل، والآسيويين (خاصة الهند واليابان وكوريا الجنوبية)، والأستراليين، وربما غيرهم، يتسابقون في تقدير الموقف، لمعرفة مواقعهم في معارك الاصطفاف القادمة. وربما تكون الكتلة الوحيدة الغائبة عن تقويم المواقف ومتابعة الصراع هي البلدان العربية، التي لا أراها تتابع أوار هذه المعارك المتلاحقة، المنبئة عن تغيرات جيوسياسية قادمة لا محالة.
وقد تكون هذه العلاقة قد ازدادت أهمية في الأشهر القليلة الماضية، خاصة بعد التحولات الاقتصادية والسياسية التي أحدثتها جائحة كورونا؛ لما أحدثت بعض المماحكات بشأن تفاصيل أسبابها، وآثارها الجذرية العميقة في بلدان الإنتاج الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب الدول الصناعية السبع (الأكثر أهمية على مستوى الاقتصاد العالمي)، من وقود إضافي لذلك الصراع المستعر بين القطبين الاقتصاديين في العالم. وذلك ما دعاني إلى استعارة وصف الصراع بالمستجد، على غرار فيروس كورونا المستجد (النسخة الأخيرة منه التي سببت الجائحة كوفيد-19). فالعالم كان قد تنفس الصعداء بعد الاتفاق الاقتصادي المرحلي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في يناير الماضي، قبل أن تدمر حدة الغضب الأمريكي من انتشار الجائحة الواسع في البلاد، وإيقافها الاقتصاد، وتهديدها بخسارة الرئيس الأمريكي للانتخابات الأمريكية بعد عدة أشهر؛ مما جعل الرئيس وأغلب أركان الإدارة الأمريكية يلقون باللائمة على الصين في نشر الفيروس، بسبب تكتمها على بداية انتشاره، وسماحها لبعض الصينيين بالخروج من البلاد، وعدم الشفافية مع منظمة الصحة العالمية، ومع بقية بلدان العالم.
وأمام كل تلك الاتهامات كانت الصين تنفي أن تكون تكتمت على شيء، أو أخفت أي معلومات عن منظمة الصحة العالمية، أو تسببت في نشر الفيروس عمدا أو حتى بالخطأ. لكنها بعد كيل الاتهامات العلنية اليومية من الساسة الأمريكيين، وبتناغم من بعض القادة الأوروبيين؛ بدأت الصين ترد على تلك الاتهامات، وتصف الرئيس الأمريكي بالكذب. والصينيون يعلمون أن استخدام مثل تلك المفردة قد يدمر فرص الرئيس للترشح إلى ولاية ثانية؛ فالناخب الأمريكي يقبل كثيراً من الخطايا من رئيسه القابع في البيت الأبيض، أو المترشح للرئاسة، لكن ليس من بينها تعمد الكذب. فيبدو أن الصينيين قد حزموا أمرهم بدعم انتقال السلطة إلى الديمقراطيين!
falehajmi@