في مؤشر إيجابي على ارتفاع الحس الفني لدى الكثير من أفراد المجتمع، أثارت اللوحة الفنية المعلقة على جدران مكتب سمو ولي العهد، للفنان السعودي زمان جاسم، الكثير من الاهتمام، على خلفية ما تم اعتباره الفكر الجديد من القيادة السعودية تجاه الفن وتشجيعه على أعلى مستوى رسمي.
وهي للتذكير ليست المرة الأولى، حيث سبق أن عرضت قبل ذلك لوحة للفنانة لؤلؤة الحمود، وكل ذلك يأتي في إطار الاهتمام بالثقافة والفنون السعودية من قبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بمبادرة وموقف جمالي أصيل بأن تحتوي مكاتبه لوحات لفنانين سعوديين، وبالتالي تحوّلت الرغبة إلى فكرة ومبادرة لاحتواء الفنون السعودية والتخطيط للاهتمام بها، عن طريق الاقتناء والبحث في الأعمال بما يخلق تواصلا دافعا بين الفنان والقيادة بين الإنتاج والتعبير والإنجاز والعرض.
ولأن انعكاس اهتمامه بالفنون وبالفن التشكيلي لم يكن من فراغ، بل من ذوق ووعي واهتمام وعمق في الاقتناء والبحث والعرض، كانت كل صورة يظهر فيها تثير ذلك الاهتمام وتشجّع عليه، خاصة وهي تسلّط الضوء على الفن السعودي، وتقدّم من خلاله رؤية بصرية حكيمة، تحاول أن تُظهر الفنون السعودية.
فالقيادة كثيرا ما اهتمت بالعمل الفني، وطالما دعت الجهات الخاصة والشركات الكبرى والفنادق إلى دعم الفن والفنان السعودي واقتناء أعماله الأصلية، لأن سموه يدرك أن الفنون هوية وطن وعمق حضور وتطور يواكب بالتوازي تطور الفكر والعقليات والاقتصاد.
اللوحة على جدارك؟ صحيح أنه عنوان لكتاب نحاول تقديمه في حركة الاقتناء العربية والخليجية والسعودية، ولكننا من خلاله لا نطرح استفهاما بل نقدّم فكرة ومسارا واقتداءً ودعوة لبداية مراحل جديدة من عمق التواصل مع الفن وبالفن؛ لفتح منافذ الصلة بين الفنان السعودي وجهات عرض أعماله ومبادرات تطوير فكرة الاقتناء، حتى يكون هناك وعي يرتكز على أبعاد فنية وذوق، وهذا بناء على رؤية سمو ولي العهد في التعامل مع الفنون، وفي مدى تسليط الضوء على الفنون الوطنية، والتحوّل بها من فكرة العرض إلى الاقتناء.
فالاهتمام بالفن والاقتناء يجب أن يتجاوز فكرة الاقتناء للديكور أو أن اللوحة تزين الجدار، بل إن اللوحة على ذلك الجدار يجب أن تكون نابعة من رغبة في العرض، لأن الفن يستحق فعلا العرض، وقادر على تحويل جمود الجدار إلى حدث وحركة وعالم من الفنون وتنوع في الاختيار.
إن سمو ولي العهد قدّم دروسا فيها حكمة وأصالة وانتماء وهوية، اهتمت بخصوصيات الفن السعودي وضرورة تحويله إلى أيقونة ثقافية جمالية، لأن السلوك اقتداء والاقتداء مسار يجب أن يصبح عادة وأولوية معمّمة، وأن تكون مسؤولية كل الجهات الثقافية والمؤسسات الكبرى والمسؤولين، لأن لها دافعا مميزا في احتضان الفن السعودي وخلق حركة ونشاط ومنافسة لا تشغل الفنان والساحة الثقافية بل المستثمر والمقتني والباحث، خاصة وأنها ستفتح أبواب النقد والبحث والكتابة التي ستكون لها وساطة التسويق للعمل والتركيز على أساسياته الجمالية.
yousifalharbi@