ما من أحد على هذا الكوكب في هذه السنة، إلا وتأثر بموجة انتشار فيروس الكورونا، أو ما يطلق عليه رسمياً "كوفيد 19"، بأي شكل من الأشكال. هناك من تأثر مباشرة بإصابة أو بموته أو إصابة أحد أحبابه أو موتهم، أو حتى في عمله أو متعته وحياته بكل تفاصيلها؛ بل حتى البلدان التي لم يصل إليها هذا الوباء، تأثرت في اقتصادها وخططها، لتأثر بقية العالم وتغييره طرق العيش والتواصل مع الداخل والخارج.
لكني لا أتحدث في هذه المقالة عن أرقام الإصابات أو معدل الوفيات أو تأثيره في الاقتصاد وحياة الناس وتواصل بعضهم مع بعض؛ بل عن تأثير هذه الجائحة العالمية في فكر البشر بمختلف ثقافاتهم وأجناسهم، وعما صبغته في لغات أغلب المجتمعات البشرية من تغيرات، ربما لم تحدثها بعض الأحداث التاريخية الكبرى من حروب وانهيارات اقتصادية وكوارث طبيعية. أكبر ما أحدثته هذه الجائحة من آثار فكرية، أن الناس في كل بقاع العالم أصبحوا يتساءلون: ماذا بعد كورونا؟ وكيف سيصبح العالم بعد انتهائها؟ وهل ستنتهي أصلاً أم إنها ستغير طريقة عيش البشر وتواصلهم بعضهم ببعض إلى الأبد؟ إلى غير ذلك من التساؤلات، التي تتراوح بين السطحية والعميقة والمتفائلة والمتشائمة.
أما الأثر الفكري العميق، فهو الذي استقر لدى عدد من شعوب العالم، من أن المؤسسات الصحية والإدارة العامة للدول التي كان يُظن بأنها متقدمة في كل شيء لم تصمد أمام هذا الاختبار الذي يفترض أنه ليس صعباً، بعد أن مرت بالعالم أوبئة سابقة؛ يمثل هذا الفيروس الجيل السادس أو السابع فيها خلال العقود القليلة الماضية. وربما يؤدي هذا الشعور العام بهشاشة الوضع الصحي لدى الدول المتقدمة تقنياً والرائدة صناعياً إلى أن تطالب المجتمعات قياداتها السياسية، بأن تكف عن السباق المحموم في التسلح والمغامرات العسكرية، والتركيز بدلاً من ذلك على صحة الإنسان ورخائه.
لكن المتابعين لبيانات الساسة الكبار في العالم، وتصريحات المسؤولين عن هذه الأزمة في أغلب البلدان، سيلمسون تغيراً كبيراً في اللغة المستخدمة، وانكساراً في خطاباتهم التي كانت تتسم بالتحدي والعنتريات؛ بدءاً من مؤتمرات خلية الأزمة الأمريكية اليومية بشأن القضية وانتهاء ببعض المسؤولين في بلدان موبوءة كثيرة. حيث أصبحوا يراوحون بين استجداء الناس بألا يتقاربوا بعضهم من بعض، وبين تحسر على فقدان الاقتصاد لزخمه بسبب شبه التوقف في عجلة الحياة.
وقد لاحظتُ أن أكثر مفردتين تردان على ألسنة الساسة في أغلب البلدان (إذا استثنينا الرئيس الأمريكي وأجهزة التنفس التي لا يمر يوم دون أن يذكر تفوق بلده في إنتاجها)؛ هما «المخالطة» و«التسطيح». إذ إن المصطلح الأول اجتماعي لم يكن يرد إلا في بعض الدراسات الاجتماعية، أو في نصائح الأهل لأولادهم بمخالطة الأصحاب الصالحين والابتعاد عن غيرهم؛ والآخر قليل الورود في الحياة العامة، وربما يدل على معالجة سطحية للموضوع، أو في حقبة مضت (عندما كنا صغاراً) كانت تعني ارتقاء الكرة على سطح المنزل. أما في عصر ثقافة الكورونا فقد أصبحت الأولى تمثل خطراً محتملاً بمخالطة الصالحين أو غيرهم، والثانية تعني أن مسار ارتفاع الإصابات قد وصل إلى نقطة الاستواء، التي تبدأ فيها مؤشرات انتشار المرض بالانحدار؛ وهو ما يعني بأن الوضع آخذ في التحسن، لهذا يحب استخدامها السياسيون!
falehajmi @