عرف عن كل الحكومات والأحزاب التي تنتمي إلى الفكر الشيوعي تعلقها الشديد بالنصوص والأفكار الموضوعة منذ نشأة هذا الفكر على يد الألماني كارل ماركس، حيث وصل هذا التعلق إلى حد كبير جدا حول هذه النصوص من كونها أفكارا بشرية إلى شريعة سماوية ثابتة ومقدسة لا تمس، ولعل التاريخ خير شاهد على هذا، فالشيوعيون بطبيعتهم يتخذون موقفا رافضا من كل الأشياء التي تتعارض مع نصوصهم، وإن أثبتت فاعليتها وفائدتها فهي تؤسس بذلك لكبريائها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر كان الاتحاد السوفيتي متمثلا حينها بقائده ستالين يرفض وبشدة علم الخارقية أو ما يسمى بعلم الباراسيكولوجي، ليستمر هذا الرفض إلى عام ١٩٦٠ الذي اكتشفوا فيه بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم هذا العلم في بعض من أسرارها العسكرية، فتبدل الموقف هنا من الرفض الشديد إلى التشجيع الشديد، وفي هذا كبرياء ليس بمكانه الصحيح.
لم يقتصر هذا الكبرياء الأحمق عند حد التحديات والمستجدات العلمية وما جاء في هذه الشؤون، بل إنه بلغ إلى مرحلة الطغيان التي تسببت بكارثة تعد من أخطر الكوارث النووية التي شهدها العالم وهي كارثة «تشيرنوبل»، التي راح ضحيتها الآلاف من الأنفس أطفالا، ونساء ورجالا، كارثة حدثت نتيجة للكبرياء الأحمق، وتقديم الموالين والمتعصبين للحزب على من يملكون الخبرة المهنية والمعرفة الحق بأساسيات ما يتطلبه العمل في أروقة مفاعل نووي، كما أن الكرملين الذي يشرف على منطقة مفاعل تشيرنوبل آنذاك تعاملوا بطريقة سيئة إزاء هذه الكارثة، فضللوا الناس والعالم بسيطرتهم على كل قنوات الاتصال، ووسائل الإعلام، وهذا أمر يمتاز به الشيوعيون جيدا عندما يحكمون.
ما حدث في كارثة تشيرنوبل مع السوفييت يحدث مجددا الآن مع الصين في جائحة كورونا، ولعل من أبرز نقاط التلاقي بين الجريمتين هو الكذب للحفاظ على الكبرياء ومظهر القوة، فكما كذب السوفييت على العالم بأنه لا شيء يحدث بتشيرنوبل كذبت الصين بأن كورونا لا ينتشر بالعدوى، وكانت تنوي في المقام الأول أن تكذب بحقيقة وجود الوباء إلا أن طبيعة تقنيات هذا العصر لا تساعد على كتم أسرار كهذه.
وكذبت في أعداد مصابيها ووفياتها، وحالة الاستقرار التي روجت إليها بعد ذلك، ولم تكتف بالكذب على العالم بل كذبت أيضا على مواطنيها برفعها إجراءات الحظر وإعادتهم إلى روتين حياتهم السابقة ليعود الوباء بموجة أخرى في مدينة «هاربين» مثلما فعل الكرملين عندما أمروا بإعادة سكان المناطق المجاورة للمفاعل رغم تحذيرات رؤوساء الهيئة الهيدرولوجية بأن مستوى الإشعاع يتخطى الحد المسموح به، رغبة في خداع العالم بكبرياء زائف ولو على حساب أرواح البشر.
وكما ضيقت الحكومة السوفيتية وهددت كل من كان يفكر بالتحدث عن حقيقة ما يجري في تشيرنوبل، عاقبت الصين الطبيب لي وين ليانغ عندما حذر من تفشي فيروس جديد بتهمة الترويج للإشاعات ليتوفى متأثرا به بعدها، في حين اختفت زميلته الطبيبة آي فين بعدما صرحت بأنها لو كانت تعلم ما الذي سيحدثه كورونا لما خشيت من تهديد الحكومة.
اختلف الزمن واختلفت الحادثة لكن يبقى أسلوب التعاطي واحدا عند الحكومات الشيوعية، فهم يكذبون ويكذبون من أجل كبرياء لا وجود له، حتى لا يتبقى من رصيد الكذب شيء، ليفضحوا في النهاية فضيحة مدوية تسقطهم سقوطا موجعا لا مناص منه.
@naevius_