في هذه الظروف الحالية حيث يعصف فيروس كورونا بالعالم من أقصى شرقه إلى غربه، ويضرب عافية المجتمعات والاقتصادات في مقتل، يبدو أننا بحاجة إلى أكثر من المناعة البدنية لمقاومة الفيروس، فهناك مناعات أخرى ينبغي أن تتوافر لدينا وفي مقدمتها المناعة النفسية والذهنية بأن ذلك قدر من أقدار الله، ثم المناعة الاقتصادية على صعيد الفرد بترشيد الاستهلاك وترتيب الأولويات، وعلى صعيد الاقتصادات الوطنية باتخاذ إجراءات وتدابير تستوعب تحولات الواقع الاقتصادي بحكمة وفطنة وقراءة موضوعية واحترافية كفؤة للتطورات.
ولعلنا في المملكة إلى جانب ما تم تقديمه للعالم من دروس حقيقية في حقوق الإنسان، نقدم درسا قتصاديا في مواجهة أحد أخطر مسببات الركود التي لم يمر بها العالم منذ عقود طويلة، ورغم تبدل الزمان وأحواله عن أسوأ ركود كالذي حدث في العام 1930م، إلا أننا في هذا الوقت استوعبنا بتوفيق الله مجريات الأمور، من خلال فكر اقتصادي متين، ورؤية سديدة تتمتع بها قيادتنا الرشيدة التي اتخذت عدة إجراءات في وقت مبكر لمواجهة هذه الأزمة الصعبة.
قراءة الأحداث ومآلاتها وتطوراتها أحد أهم عوامل عبور الأزمات وتجاوز التحديات، ففي الوقت الذي تعاني فيه اقتصادات عديدة من تلك الأزمة كانت للمملكة كلمة عليا في سير الأحداث ومعالجة هذه الأزمة محليا ودوليا، فقد قدمت بلادنا المساعدة لمنظمة الصحة العالمية والعديد من الدول التي بحاجة إلى العون الصحي، بل وأعلنت معالجة رعايا الدول التي يقيمون في أراضيها مجانا، وفيما يتعلق بالمجريات الاقتصادية تم تقديم حزم دعم كبيرة للقطاع الخاص من أجل أن تستمر أعماله ويؤدي دوره الداعم في النمو.
كثيرة هي المعالجات والإجراءات التي جعلت اقتصادنا الوطني يبقى واقفا ولم يتأثر كثيرا بتداعيات أزمة كورونا، ما يعني أن المملكة التي تترأس قمة مجموعة العشرين لها التأثير الفاعل والقوي في الاقتصاد العالمي وأحد محركيه المؤثرين، لأن اقتصادها قوي ويملك الوسائل التي تجعله يتعامل مع تحديات النمو، وذلك ما أعرب عنه وزير المالية وزير الاقتصاد والتخطيط المكلف محمد بن عبدالله الجدعان، حين قال إن المملكة تواجه الأزمة العالمية الحالية من مركز قوة، نظرا إلى قوة مركزها المالي، واحتياطاتها الضخمة، مع ديون حكومية منخفضة نسبيا.
وقد أشار معالي الوزير الجدعان إلى ما تم اتخاذه من تدابير مالية ونقدية تسهم في تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع، وأكد أن جميع المبادرات التي اتخذتها الحكومة السعودية ستساعد في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة بقوته، وبهذه الرؤية فإن استمرار الاقتصاد الوطني في نشاطه يعني امتلاكه كل العوامل الضرورية للقوة التي تبقيه فاعلا ومتناميا رغم الأزمة.
في أعقاب أزمة كورونا حيث يتوقع على نطاق واسع تغيرات كبيرة وجوهرية في اقتصاد العالم واتجاهات نموه، سنكون في المملكة أحد الرابحين الكبار بإذن الله، لأننا تعاملنا بصورة واقعية وبراجماتية مع متغيرات الواقع الاقتصادي، وحافظنا على بنية اقتصادنا بما يجعله متماسكا وقويا، وسيزداد قوة مع انطلاق دوران المصانع والآليات حول العالم حيث نملك مصادر الطاقة الأكثر جاهزية لتلبية الطلب على الطاقة وتوفيرها في أوقات قياسية ما يعني مزيدا من النمو والمداخيل الداعمة لهذا النمو، وفي المحصلة فإن شعار السعودية العظمى سيتجسد واقعا ملموسا لدى كل العالم من خلال منظومة ومبادرات حقوق الإنسان في التعامل مع هذه الأزمة التي كشفت الكثير المثير لدى دول العالم، وفي الوقت نفسه احتفاظ اقتصادنا بمصادر القوة وتضخمها بما يرفع من ترتيبه الدولي وسط اقتصادات العالم.
@sukinameshekhis