n اختارت كورونا وقت ظهورها بعناية فائقة، بمدلول يحمل خبايا ومؤشرات، توحي بعبقرية التوقيت ورسالته. جعلت كورونا البشرية تستجدي، وتنصت، وتستمع لقوة علم العقل، وسلطان منفعته الحقيقية. جعلتنا كورونا نتساءل عن مستقبل مصيرنا كبشر. جعلتنا كورونا نعلن الحرب بوسائل بدائية، في ظل وجود علماء جبابرة، جعلناهم يقفون على رفوف التهميش، وطوابير السخرة لجشع وطمع وأنانية الشركات؟.
n في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يونس (44). هل ظلمنا أنفسنا؟ لماذا يقف العالم في خندق واحد ضد كورونا، ولا يقف ضد صناعة الموت والحروب، بنفس الوقفة؟ هل كورونا صناعة عسكرية؟ الأكيد أننا لا نستطيع خلق الأشياء الحيّة، لكن يمكن جعلها مؤذية، وشريرة، وحاصدة للأرواح، بالعلم وتقنياته، لصالح التوحش البشري.
n لماذا التوسع في صناعة الموت؟ الجواب.. كسهولة إهدار المياه ظهيرة. إنها لذة (الهيمنة). هيمنة فرد على فرد، وشعب على شعب، وأمَّة على أمَّة، وجنس على جنس.. ونعمل أيضا لتوريث الهيمنة، وتداولها بين البشر، كمجد وحضارة.
n لماذا الهيمنة، في ظل قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، الحجرات (13)؟ هل عرفتم ملامح الأجوبة؟ الهيمنة إيقاع ضرر يتولد عنه منفعة. وتعني السيطرة على وجود، وجهود الآخرين، من الضعفاء والمغلوبين، وعلى ثرواتهم وعقولهم وإمكانياتهم. أليس هذا أشد قسوة من كورونا؟ جاء الإجماع على محاربتها، لأنها سحبت بساط الهيمنة من البشر المهيمنة.. الطامعة.. الجشعة. هذه قراءتي في زمن كورونا.
n الهيمنة البشرية تعني أن هناك: غالبا.. ومغلوبا.. وضعيفا.. ومنافسا شرسا. جاءت كورونا، لتضع البشر في حالتين: مغلوب.. وضعيف. من هنا أصبح المرض عدو الجميع، بجانب الفقر والجهل.
n جاءت كورونا في زمن انحطاط القيم الإنسانية، وتغييب مكارم الأخلاق والعدل، وزيادة الفقر والجهل، وفرض الظلم، واستنزاف طاقة وموارد الأرض لصالح المال وسيادته. سأتجنب الإبحار في هذا السوء. لكن أليست كورونا أكثر عدلا من البشر؟ كورونا تقتل دون تفرقة وهذه عدالتها.
nعرّت كورونا مفهومنا لمدلول الدول العظمى، وكشفت زيف شعارات الديمقراطية، تعمل لانتخاب ممثلي المهيمنين، وتغيّب الحكماء والعلماء وأهل العقول الراشدة والرشيدة. أزاحت كرونا الستار عن مدى وعمق تسخير العلماء لخدمة الهيمنة. بيّنت كورونا إلى أي مدى انشغل البشر بالقشور، وتناسوا حقوق الإنسان، وشجعوا ورسخوا دعوات الانحلال والتعري والإباحية بحجة حرية الفرد، وتناسوا وتجاهلوا أمراضها وتأثيراتها السلبية.
n زمن كورونا جعل قيمة لاعب كرة القدم، يفوق مجموع رواتب علماء جامعة بأكملها، وجعل أجر ممثل يفوق ميزانيات محاربة الفقر والمرض، وأعطى من لا يستحق، وصنع مشاهير لضياع الوقت والقيم واستنزاف الأموال وإهدارها، وغيب علماء التشخيص العلمي، وتحديد الاحتياجات، وإعطاء التفسيرات، وتقديم الحلول العلمية لصالح البشرية، وحمايتها حتى من أنفسهم. لكن... هل لدى هؤلاء العلماء خيار تحقيق ذلك؟.
n هل جاءت كورونا كنعمة، لتصحيح مسار حياة البشر.. وإعادتها لصوابها؟ هل جاءت لتعلن قرب انفلات عقال الجشع والطمع والأنانية؟ هل جاءت لتعلن بأن وضع العالم يمهد للأوبئة المرضية وغير المرضية؟ هل جاءت لتحذر من استمرار الهيمنة بظلمها وفجورها وتجاوزاتها وجورها؟ في ظل تجاهل دور العلماء وتغييبهم، هل جاءت كورونا لتؤكد ظهور مؤشرات بداية هدم الأرض، واستفحال مؤشرات فناء الحياة.
n السيئون يصنعون الألم، لكن المرض والجهل والفقر يصنعون التساؤلات. أليس هذا أرحم؟.
@DrAlghamdiMH