الأزمات تكشف معادن الناس، وتختبر الثقافات وحقيقتها.
فتحت نخب الشمال المتغطرسة، أعينها، وصحت من سكرة التفوق الكبرى، على هول الجائحة التي تحصد كل ما يقف في طريقها في مدن الزجاج المغرورة، التي أخذت زخرفها وازينت، وآمنت أن بيدها المن والسلوى وهي التي تحيي وتميت، وتعز وتذل.
وكانت الصدمة عنيفة، لأن النخب الشمالية لم تصدق، واعتقدت أن الوباء مثل سوابقه، يحاصر حيا في مدينة مكتظة وفقيرة في الجنوب، ثم يقضي بعض السكان نحبهم، وتكتب التأبينات في عناوين الصحف، ثم تعود النخب إلى غيها وتحكماتها ودسائسها وإدمان الهيمنة. ولم تفق إلا بعد أن بدأ الموت يحصد الأرواح في مدن الزهو وشوارع النيون الملونة.
بدأت الصدمة بسقوط شعارات الزيف التي كانت تروج الأوهام بالإخاء الإنساني، وحقوق الإنسان والديمقراطية، ليصبح غطاء لتعظيم مصالحها وسياساتها. وتطلب ذلك أن يرد المنكوبون على النخب الشمالية ومعايرتها. فقد عمد مسؤولون إيطاليون إلى إماطة علم الاتحاد الأوروبي، واستبداله بعلم إيطاليا، لأن أوروبا صمت آذانها عن استغاثات إيطاليا التي باغتها الوباء بليل وسكون.
الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش تكلم بحرقة لأن أووربا الحليفة رفضت تقديم المساعدات الطبية لبلاده. واضطرت بلدان أوروبية لتنفيذ عمليات سرية للاستيلاء على شحنات طبية ومصادرتها. بل إن دول العالم الكبرى هرعت لحجز الإنتاج العالمي من الأجهزة والمستلزمات الطبية ونسيت الفقراء وحقوقهم.
وكان زعماء الدول الغربية الديمقراطية الموبوءة بثقافة الشعارات، يترددون ويخشون غضب الرأسمالية والأحزاب والشركات، وأحيانا لا يعرفون كيف يتصرفون، فهم عباقرة مناظرات تلفزيونية وتقدموا للزعامة ليسعدوا الأحزاب والقوى التي تستخدمهم للهمينة. حتى تهاونوا وتركوا الموت يحصد عشرات الآلاف في مدن تتباهى، في أيام الرخاء واللهو، بتحدي الموت.
ومن بين الظلام الحالك الذي يلف الكرة الأرضية، جاءت ومضات النور من بلدان جنوبية لم تزعم يوميا الغطرسة أو الهيمنة، هي دول الخليج (وبعض الدول العربية)، وفي مقدمتها المملكة التي قدمت، في أزمة الجائحة، إدارة محترفة وواثقة وجريئة وحريصة على أرواح الناس، لسبب بسيط أن زعامات الخليج، مدينة للناس، وليس لأحزاب ولا شركات ولا قوى نافذة.
وتعمل زعامات الخليج بثقافة أن الناس أمانة بذمة الحاكم، وواجبه رعايتهم وحمايتهم وإدارة مصالحهم وأمنهم وأمانهم بالصدق والأمانة والوفاء. وهو مدين لهم وليس لغيرهم. وقدمت نموذجا عالميا في الاهتمام بالناس، ولم تميز في أراضيها بين المواطنين وغير المواطنين، ولا بين الذين يملكون والذين لا يملكون. فكانت فخر الوطن والمواطنين، على الرغم من أن بعض المرجفين الذين، يسمون أنفسهم بهتانا بالمعارضة السعودية، لم يراعوا حتى مشاعر الناس وأزمتهم فأصبحوا يروجون أكاذيب ومختلقات لترويع الناس، لأنهم مأمورون، ومستأجرون فيما يسر أسيادهم ومشغليهم. وسقطت شعاراتهم مثلما سقطت شعارات البلدان التي تؤويهم وتحرضهم.
وفخر لنا أنه في الوقت الذي انشغلت دول الشعارات الشمالية بنفسها وأنانيتها، وانشغل رجب طيب أردوغان عن الذين يحرضهم على المملكة في أوقات الرفاهيات، كانت المملكة ترصد مئات الملايين من الريالات لدعم منظمة الصحة العالمية، وعشرات الملايين لتزويد فلسطين واليمن بالمعدات والمستلزمات الطبية.
وتر
وطني.. العالمي كما يليق بوطن الأنوار..
اسمك، خفاقا..
بعلو الأقمار وشاهقات الذرى
وسمو الهمم..
وتاريخ يكتب بأنفاس محبين