لعلك تتساءل عن علاقة ذلك بما كتبت في أول المقال.. بالنسبة لي أرى أننا ونحن في البيت اضطررنا أن نطوي فوق بعض جميع الشخصيات التي نتقمصها، وسبب ذلك أن حياة التعليم والعمل لا زلت مستمرة. فَلَو أنها إجازة للعبنا دورنا المجاز، ولكننا ما زلنا نؤدي أدوارنا المختلفة ولكن دون أن تختلف الكواليس.
هناك ممثلون يستطيعون تقمص الأدوار بكل براعة دون الحاجة لتدعيمها بالكواليس والأدوات الداعمة، ولكن غالبنا ليس لديه هذه الموهبة. فاجتماع في بيئة افتراضية مع زملاء عملك يختلف عندما ترتدي البيجاما وتسمع أصوات أطفال يفرغون طاقاتهم في منازل زملائك. أهلك الذين لا يعرفون عن عملك شيئا قد يحصلون لأول مرة على صورة مختلفة عن ابنهم. بقاؤنا في البيوت كشف لنا جوانب من شخصيات أفراد أسرنا لم نعيها مسبقا. فذلك الابن الذي تصعب السيطرة عليه في البيت يمتثل بكل أدب لتوجيهات أستاذه مثلا، والأم الحنونة في البيت تجدها مدرسة صارمة. تطول هذه القائمة ولعلكم تملأون الفراغ التالي بأمثلة من حولكم...
هوياتنا معقدة في تركيبها، وتتشكل مما نفعل ونحب. قد تتعدد في الأوجه دون أن نظهرها جميعها في مكان ما أو لشخص واحد. أما الآن ونحن جميعا في بيوتنا بكامل أوجه شخصياتنا فإنه بدلًا من أن تجد ٤ أشخاص في عائلة واحدة قد توجد ١٢ شخصية لا تجد لجميعها منفذ. بعض البيوت بحكم حجمها تسمح بالانعزال وممارستها دون احتكاك محرج، ولكن في بعضها الآخر يضطر الأبناء بالمشي على قشور البيض لئلا يستثيروا رب المنزل المتربع في الصالة والذي لم تعد تحتمل أعصابه جلسة البيت.
حياتنا الطبيعية هي مزيج لحياتنا داخل وخارج المنزل. مزيج بين حياة التعلم أو العمل والحياة الشخصية. نعرف من المقربين تلك المعاناة التي يمر فيها كثيرون من المتقاعدين عندما يفقدون جزءا من هويتهم وحياتهم عند ترك العمل. عندما يكون العمل جزءا كبيرا من حياتنا، فمن نكون حين لا نعمل؟ أزمة الهوية هذه تتكرر الآن في بيوتنا عندما نفقد كل المقومات الخارجية الداعمة لهويات نعيشها خارج المنزل. حتى الحياة الداخلية المستقرة تزعزعت بعض الشيء بالتواجد المستمر للجميع. من الطرائف المتداولة طفل يسأل والدته إن كان أبوه سوف يسكن معهم مثلا والأمثلة كثيرة.
هذه فرصة لنعرف بعضنا البعض بجوانب هوياتنا المتنوعة، ونسمح لغيرنا بأن يعيد اكتشافها.