لعلنا نستعيد الذاكرة إلى عامي 2008 و2009، حيث برزت الأزمة الاقتصادية العالمية ليواجه العالم أزمة حقيقية ساهمت في خروج العديد من الشركات من السوق، ما خلق فجوة كبيرة بين العرض المنخفض والطلب المرتفع، وبالتالي ارتفعت أسعار الكثير من المنتجات الغذائية والاستهلاكية بشكل ملحوظ. كان النقص في المعروض نتيجة لإفلاس الكثير من الشركات في عدة قطاعات صناعية في الدول المصدرة ما ضغط السعر إلى الأعلى بنسبة فاقت في بعض المنتجات ضعف سعرها.
مخزون الغذاء في المملكة في مستوى جيد في المدى القصير، لكننا لا نعلم عن الوضع الاقتصادي للدول الموبوءة التي نستورد منها احتياجاتنا الأساسية، خاصة في صناعة الغذاء والدواء. قطاع الأغذية في معظم الدول الأوروبية الموبوءة في وضع غير جيد ويشير إلى نقص في صادرات تلك الدول إلى أغلب الدول المستوردة مثل المملكة. الفواكه والخضراوات والأغذية المعلبة تستورد من الدول الموبوءة مثل إسبانيا التي بدأت في التصريح عن سوء حالتها الصحية وبالتالي الاقتصادية ما سيؤثر في صادراتها الغذائية إلى كثير من الدول. أما إيطاليا فإنها تمر بمرحلة صحية صعبة أثرت في الكثير من القطاعات الاقتصادية وبالتالي ستتأثر صادراتها إلى المملكة وغيرها من دول العالم.
إن النقص في العرض مع زيادة أو استقرار الطلب على منتجات الدول الموبوءة سيؤثر بلا أدنى شك في أسعارها. يعود النقص في العرض إلى عدم قدرة المصانع على العمل في هذه الظروف الصعبة لأن سلسلة الإمداد بما في ذلك المصانع لا تستطيع الاستمرار بنفس الطاقة الإنتاجية، إما بسبب إصابة العمال بفيروس كورونا أو لخوفهم من التعرض للفيروس خلال العمل. البدائل بالنسبة لنا في المملكة ليست كثيرة سواء في الدول العربية المجاورة أو الدول الآسيوية مثل الهند وباكستان اللتين تأثرتا بالجائحة.
إن استشراف الأسعار في القطاعات الاقتصادية المختلفة في تلك الدول خاصة في قطاع الصناعات الغذائية والفواكه والخضراوات يشير إلى ارتفاع متوقع في المدى القريب، وربما يستمر لفترة طويلة بسبب المنافسة من دول أخرى تعتمد على تلك الدول في الكثير من منتجاتها الغذائية والدوائية والكمالية.
سيتأثر المخزون الغذائي في المملكة في المدى المتوسط إذا استمر النقص في الاستيراد لأسباب تعود للدول الموبوءة، لكنني أتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها بالنسبة للعرض والإمداد وبالتالي ستستقر الأسعار وربما تعود إلى مستوياتها السابقة. أملنا أن تنتهي هذه الجائحة وتعود العجلة الاقتصادية في الدول الموبوءة التي نعتمد عليها في غذائنا ودوائنا إلى طبيعتها.
نأمل من القطاع الزراعي في المملكة التوسع في زراعة الخضراوات وبعض الفواكه التي تناسب بيئتنا وتربتنا. هذه الجائحة فرصة للشركات الزراعية والصناعات الغذائية للتوسع في طاقاتها الإنتاجية لتلبية الطلب في السوق الاستهلاكية في المملكة.
وفي الختام أرى ضرورة توافر مخزون غذائي استراتيجي للتعاطي مع مثل هذه الحالات الطارئة التي تكلفنا كثيرا إذا لم نعمل الخطط الاستراتيجية الفاعلة للتكيف معها. ولنضع في الاعتبار أن الأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن الوطني الشامل، بل يعتبر جزءا منه.
@dr_abdulwahhab