مثلما حك فيروس كورونا معادن الدول، فكشف عن صدأ حديد بعض الدول التي ترعى حقوق الشركات وهوامير الإنتاج، وأساطين المال والأعمال على حساب الإنسان، مقابل أصالة ذهب دول أخرى ترعى فعلا حقوق الإنسان، وأولها بالتأكيد حفظ حياته وصحته وعيشه، وذلك باتخاذ كافة التدابير المتاحة بصرف النظر عن أثمانها وتكاليفها، وآثارها على اقتصادها، كذلك حك هذا الفيروس الشرير وقانا الله وإياكم منه معادن تلك النفوس الرديئة التي ألهب الخوف جشعها، فأشعل تهافتها على جمع المال، لتستغل هذه الجائحة في رفع الأسعار، والاحتكار، ومحاولة التملص من جهات الرقابة للإثراء من وراء هم هذا الفيروس قدر المستطاع، فيما حك بنفس القوة تلك النفوس النبيلة التي تكشف الأزمات والمصائب عن نفيس معدنها، لتتحول إلى غيمات ماطرة بالنبل والكرم والخير والأريحية، وأياد بيضاء سخية ممدودة بالإيثار، ولتخرج بالتالي عن ذاتها، لتلامس هم المجتمع فتشاركه رأس مالها بكل سخاء المواطنة الحقة التي جلاها المصاب.
سيدة أعمال تملك شركة سيارات أجرة، سخرتها مع أزمة كورونا لإيصال الأدوية من الصيدليات للمنازل مجانا، للمساهمة في العزل الاجتماعي، وبادرت بتوزيع الكمامات والمعقمات بالمجان أيضا على رجال الأمن الذين يمضون وقتهم في الطرقات والميادين لإنفاذ خطط الدولة في مواجهة الفيروس، وتبرعت بمبنى مع تجهيزه بـ 30 سريرا طبيا لصالح وزارة الصحة.
لاحظوا في موقفها كيف اختفت شخصية التاجر والمستثمر، وظهرت شخصية المواطن الحقيقي، والإنسان في أجل وأسمى حالاته.
رجل أعمال عصامي من حائل، كان يزمع افتتاح مستشفاه الخاص الجديد والمجهز بكل الأجهزة والمستلزمات والكوادر والأطقم الطبية قبل حلول هذه الجائحة، ما حرك المواطن في داخله، ليؤجل شخصية رجل الأعمال والمستثمر، ويستبدلها بكل الأريحية بشخصية المواطن الصالح والإنسان النبيل، ليقدم المستشفى لصالح وزارة الصحة إلى أن يرفع الله هذا الوباء عن الناس.
لاحظوا كم بدا (عبدالله) كبيرا في أعين الخلق، فكيف يا ترى سيكون في عين الخالق؟.
بودي لو أستعرض كل ما أعرف على الأقل من مثل هذه القامات، والشهامات، والمواقف الرائعة، والبياض الإنساني الباهر الذي نفخر به، ونعتز بمواطنته، والتي كشف معادنها الأصيلة فيروس كورونا، لولا أنني أخشى من ألا أحصيها، ثم لأني على يقين من أن مثلها كثير ربما تم بين أصحابها وربهم، مثل ذلك الشاب العشريني الذي لمحته يوزع الكمامات على عمال البلدية، في مثل هذه الأوقات التي تتكشف فيها معادن النفوس، حيث يفعل كورونا فيها فعل النار في الفلزات، فيجلي نفائس الذهب، عن صدأ الحديد !!.
[email protected]