تقريبًا كل دول العالم باتتْ تتعامل مع فيروس كورونا بشكل جاد، حتى تلك الدول التي تأخرت في إجراءاتها، لتبدأ فيما بعد في مواجهة الواقع كحقيقة مرة للأسف، غير أن المملكة، التي بدأت إجراءاتها الاحترازية باكرًا، قدّمت أنموذجًا أدائيًا مختلفًا، وذلك عبر منظومة متواصلة ومكتملة الحلقات من الإجراءات، التي وظّفتْ فيها الدولة كل إمكاناتها وطاقاتها لمواجهة مخاطر الفيروس، والتعامل معه بشكل احترافي، اعتمد على تسلسل الإجراءات بحيث تتم بعضها بعضًا، وتتخذ شكل البناء التراكمي، أولًا لضمان جودة الأداء، وتأسيسه على مرتكزات دقيقة، ثم لعدم إثارة الهلع في نفوس الناس، وتعزيز الثقة في الإجراءات، التي تتبعها بلادهم بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى، وقد كشفت آليات التعامل مع هذه الجائحة التباين الواضح بين الدول في كيفية مواجهتها، بين مَنْ تعامل معها وفق منطق الأداء الوظيفي المجرد، والمسؤولية الوظيفية التي تقتضي العودة دائمًا إلى البنود والأنظمة والموازنات المرصودة، وربما حساب الخسائر الاقتصادية، وبين دول أخرى وفي طليعتها المملكة، التي سخّرتْ منذ اليوم الأول كل إمكاناتها لمواجهة الوباء، لأن حياة الإنسان بعيدًا عن أي حسابات أخرى هي رأس المال الأصيل، فهي تتعامل مع الإنسان بوصفه ثروتها الرئيسة وهو بترولها، واقتصادها الحقيقي، وقد تجلّى هذا الموقف من خلال الكثير من الخطوات، التي اتخذتها حكومة المملكة، ومما لا يمكن استعراضه في مثل هذه العجالة، لكن يكفي أن نشير إلى ما طرحه بعض مواطنينا العالقين في دول أخرى بعد إيقاف حركة الطيران، حيث بادرت السفارات السعودية باستضافتهم في أفخم الفنادق بالعواصم المختلفة، ووفرت لهم كل سبل الرعاية الطبية والغذائية دون أن ينفقوا ريالًا واحدًا، إلى حين توافر فرصة عودتهم إلى بلادهم، مع ملاحظة أن الدولة لم تشر ولو على سبيل الإعلام إلى مثل هذه الإجراءات، ولولا أنها صوّرت عبر السوشيال ميديا من قبل المواطنين العالقين في بعض الدول لما علم بها أحد سواهم؛ ذلك لأن الحكومة السعودية حينما تتخذ مثل هذه الإجراءات النموذجية فليس لأنها تريد مَنْ يتحدث عنها أو يثني على قراراتها، وإنما تفعل ما تراه جزءًا من صميم واجباتها تجاه مواطنيها أينما كانوا على وجه الكرة الأرضية، ما يؤكد حقيقة موقع الإنسان في قلب قيادته.
حمى الله بلادنا والأمة والإنسانية من كل سوء.
article@alyaum.com