قال محمد الغزالي حياتك من صنع أفكارك، أما على وجه الخصوص فأقول حياتك من قرار اختياراتك لأنه في ظل الكثير من الأفكار، قرار الاختيار من يصنع الفارق. إن جودة أي خيار تكمن في أن نختار محضا لإرادتنا الحرة ولا يخول آخرون بالاختيار بدلا عنا. كما أن طريقة الاختيار تختلف فأحيانا نكره أنفسنا وأحيانا نسيرها وأحيانا ننساق وراء رغباتها، المهم هو أن يكون الاختيار مسؤولا والغاية مدروسة.
قد يتبادر إلى ذهننا أن الأفضل أن نختار ما تريد وتتوق إليه أنفسنا لكن على العكس فالأفضل هو إكراه النفس في الاختيار على عكس ما ترغب وهذا الإكراه يعني إخضاع النفس لمبدأ ذي قيمة من أجل مصلحتنا العامة لأن طبيعة النفس لحوحة متعطشة تقود خياراتنا نحو خيارات آنية مؤقتة لا تحمد عقباها. وبما أن القرآن نهج ثابت وهدى ورحمة، جميع التعاليم الدينية رغم أنها تبدو للبعض نوعا من الإكراهات، إلا أنها صممت بطريقة تراعي فيها صالحنا والمجتمع الأوسع. قال الحسن البصري: «أفضل الأعمال ما أكرهت النفوس عليه» وكذلك قال «من أطاع هواه ضل». وبعبارة أخرى ملهمة لجيرزي جريجوريك «الخيارات السهلة تتبعها حياة صعبة، والخيارات الصعبة تتبعها حياة سهلة». فلسفه عظيمة فالأعمال والإنجازات العظيمة لا تكتسب إلا بشق الأنفس وبالتضحية عن تلك الخيارات الأخرى الأسهل.
أما التسيير فهو نتيجة عن رهبة الخروج عن المألوف قد يكون عن طريق العادة والتقليد والسلوك الاجتماعي. الرهبة الحقيقية هي رهبة المواجهة لعواقب الخيار غير الاعتيادي فنرسم لنا مستقبلا مدركة عواقبه ونسير أنفسنا على نهج نماذج تعيش حولنا حياة كريمة نسبيا. نفضل العيش في هذا السجن المريح لأننا اعتدنا عليه أما الخروج فيلزمنا مواجهة واستعداد لتحمل نتائج غير متوقعة. هي في الحقيقة قيود ذهنية وكسرها ممكن لكن المهم هو أن تستحق الغاية العناء والخسائر المحتملة.
أما الاختيار وفقا لما نريد فلا بد من تقنين هذه الإرادة في الاختيار وجعلها مسؤولة فليس كل ما يراد يختار إلا في شريعة الغاب. قد أكون شاملة إذا قننت هذه الإرادة ضمن الإطار الديني لأن اعتبارات الدين تكفل اعتبارات القانون والمجتمع وغيره.
أيضا حتى ضمن الإطار الديني، ليس كل ما يراد يختار فالأفضل اختيار ما ينسجم مع ذواتنا وطبيعتنا وما يلائمها بفهم الذات ومعرفة ميولها. طالما انجرفنا وراء المعايير الاجتماعية في التفضيل في حين أن المفضل في حد ذاته يختلف تفضيله تبعا للشخصية أولا ثم الظروف المحيطة بها. فكلما قنن الخيار وتلاءم مع ذواتنا وميولنا فهو حتما جدير بالاختيار.
أخيرا الحرص على الاختيار بأنفسنا تفعيل للحرية الموهوبة من الله كما أن التدخل في خيارات الآخرين وإكراههم وفرض خياراتنا انتهاك للحرية الموهوبة من الله. كما أن الحرية الموهوبة لنا حين تحملناها هي حرية مسؤولة، فالحرية مقترنة بالمسؤولية يسيران جنبا إلى جنب، أما عدم تحمل المسؤولية فيحتم تقبل العبودية بطريقة أو بأخرى.
@noran0r