إذا نخر الفساد بشقيه الإداري والمالي في جسد أي أمة فإن ذلك يعني تعطيل مسارات تنميتها، وإصابة تطلعاتها النهضوية في مقتل، وإزاء ذلك فإن المملكة بفضل الله ثم بفضل قيادتها الحكيمة ضربت بيد من حديد على أولئك المارقين الممارسين لجرم الفساد، ووضعت حدا قاطعا لتلاعبهم بالأموال العامة وتلاعبهم بالأنظمة الإدارية في هذا الوطن المعطاء، فقد باشرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التحقيق في سلسلة من القضايا التاديبية والجنائية ذات العلاقة باختصاصاتها، حيث أجرت التحقيق الإداري مع 219 موظفا أخلوا بواجبات وظائفهم العامة، ومع 298 شخصا وجهت لهم تهم ارتكابهم لفساد مالي وإداري، تمثلت في جرائم رشوة واختلاس أموال عامة واستغلال نفوذ وظيفي وسوء استعمال إداري حيث اعترف المتهمون بتبديد 379 مليون ريال، ويجري العمل بعد التحقيق لإحالتهم للمحكمة المختصة لإنزال العقوبات الرادعة بحقهم.
وقد عمد أولئك الخارجون عن القانون لاستغلال عقود حكومية بوزارة الدفاع فتورطوا بجرائم رشوة وغسل أموال، وعمد آخرون لاستغلال عقود بالمديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية، وتورط مسؤولون آخرون بجامعة المعرفة الأهلية بمنطقة الرياض، وتورط موظف سابق بوزارة التعليم بقضايا فساد مالي وإداري ومخالفته للأنظمة والتعليمات، كما استغل آخرون نفوذهم الوظيفي للحصول على رشوات بوزارة الداخلية بالمنطقة الشرقية، وضبط أحد القضاة متلبسا بجريمة رشوة أخلت بواجبات وظيفته، وقاض آخر استغل نفوذه الوظيفي لاستلام رشوة، وتم القبض على ضابط برتبة مقدم في أحد قطاعات وزارة الدفاع أثناء استلامه رشوة، وكل تلك الجرائم الشنيعة تلحق أضرارا فادحة بأموال الدولة العامة وتلحق أضرارا لا تقل فداحة بالتنظيمات الإدارية المعمول بها بالمملكة.
وتثمين الهيئة للأدوار الإيجابية لأصحاب السمو والمعالي الوزراء الذين تعاونوا معها لتحقيق النزاهة، والقضاء على الفساد بكل أشكاله وصوره وأهدافه الشريرة، يدل دلالة واضحة على أهمية ملاحقة أولئك المفسدين والمحافظة في ذات الوقت على معايير المحاكمة العادلة تحقيقا للقضاء على جرائم الفساد المعيقة للتنمية والمعطلة لنهضة البلاد، ومازالت الهيئة بتوفيق الله ماضية قدما في تنفيذ اختصاصاتها تحقيقا لمبدأ سيادة النظام وتطبيق الأنظمة بحق أي شخص يحاول العبث بالأموال العامة ومحاولة الإخلال بواجبات وظيفته، فكل التجاوزات التي ارتبطت بتلك الجرائم لا تتفق إطلاقا مع النهج المؤسساتي للدولة القائم على تقديم أفضل الخدمات لهذا الوطن ومواطنيه.
وتحقيق المصلحة العامة في هذه الدولة الفتية استجابة لتطلعات ولاة الأمر -حفظهم الله- اقتضى ملاحقة أولئك المجرمين وتقديمهم للعدالة، بما يحفظ الأموال العامة ويحفظ القوانين السائدة في الوطن والتي تستهدف في مجموعها تحقيق التطلعات التنموية لهذه البلاد، ولاشك أن الممارسات الإجرامية التي تمثلت في التلاعب بالأموال العامة والاستهانة بالتنظيمات الإدارية للدولة تمثل إعاقة للتنمية وعجلة النهضة التي تبنتها القيادة الرشيدة، وهي ترسم منطلقات رؤية المملكة الطموح 2030 وصولا إلى أرقى وأرفع مستويات التقدم في زمن قياسي قصير، وهذا ما يحدث على أرض الواقع مع تذليل كافة العقبات والصعوبات التي لن تقف عائقا للوصول إلى تلك المستويات بإذن الله.
article@alyaum.com