وهذا التوتر سبقه أزمة أخرى أشعلتها استضافة الكويت لمؤتمر للأحواز تحت عنوان «برلمانيون لأجل الأحواز»، ولقاء كل من رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم بوفد من حركة النضال العربي لتحرير الأحواز المعارضة، على هامش المؤتمر المنعقد، والذي اعتبرته إيران مؤتمرًا مناوئًا لها وأثار موجة من التصعيد الإيراني الكبير تمثل باستدعاء القائم بالأعمال لديها لنقل رسالة احتجاج شديدة اللهجة، قابله احتواء كويتي لنزع فتيل الأزمة عبر تشديدها على احترام سيادة إيران ووحدة أراضيها على إقليم الأحواز، وتأكيدها على أن الاجتماع أقيم بصفة شخصية ومن دون موافقة الحكومة.
ويمكن القول أنه خلال السنوات الأخيرة شهدت العلاقات الكويتية – الإيرانية توترا متكررا، تمثل بشكل واضح في أزمتين كبيرتين هما أزمة «خلية العبدلي» وأزمة حقل الدرة النفطي واللذين كانا في يوليو 2017 حيث قررت الكويت على أثرها تخفيض التمثيل الدبلوماسي الإيراني لديها. ويمكن عودة تصاعد السلوك العدائي الإيراني تجاه الكويت خلال السنوات الأخيرة إلى سببين رئيسيين: الأول هو الضغط الأمريكي المتصاعدة على إيران، فبعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات القاسية على إيران، جعل من دول الخليج الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة في مرمى إيران. وكان الهجوم على منشأتي نفط تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية في منتصف سبتمبر الماضي خير مثال على ذلك. وبالتالي فإيران ترى أنه في حال تعرضت إلى هجوم من قبل الولايات المتحدة فإنه من المحتمل أن تجعل أمريكا الكويت قاعدة لإسناد هجومها على إيران، وعليه عبر تغلغل إيران في الكويت يمكنها المبادرة للرد المقابل بضرب بعض الأهداف في داخل الكويت، واستغلال الكويت كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة.
الثاني هو الحدود المشتركة للكويت مع محافظة البصرة العراقية، الغنية بالنفط والمنفذ البحري الوحيد للبلاد، تعطي للكويت أهمية إستراتيجية بالغة بالنسبة للنظام الإيراني، وعلى الخصوص أن البصرة هي من أهم المدن العراقية التي تخضع لسيطرة العناصر العميلة لإيران. فالبصرة تمثل العصب الاقتصادي العراقي فـ 80% من النفط بالبصرة. فعبر البصرة يتم تهريب النفط وعبر البصرة يتم صناعة الميليشيات الموالية لإيران. وبالتالي فعبر سيطرتها على البصرة تتمكن من بسط سيطرتها على كامل العراق، فمن دون البصرة تموت العراق.
وأخيرا في ضوء معطيات البيئة الإقليميّة الراهنة، أعتقد أن إيران سوف تستمر في المراوحة بين التصعيد ضد الكويت تارة والتهدئة وتبريد الأجواء تارة أخرى، كي لا توسع دائرة الصراع مع دول المِنطَقة، إلا أنه في حال تمت إعادة انتخاب الرئيس ترمب وزاد الضغط الأمريكي على إيران وتشديد العقوبات عليها، والمتزامن مع استمرار هيمنة التيار المتشدد في إيران لا سيّما المؤسّسات العسكريّة، ممثلة في الحرس الثوري غير القابلة بالجلوس على طاولة المفاوضات مع واشنطن، وتقديم تنازلات لنزع فتيل الأزمة وميل تلك المؤسّسات إلى تصعيد المواجهة تحت رايات مذهبيّة، قد تدفع باتجاه خطوات إيرانيّة تسهم في توتر العَلاقات ودخولها مربع القطيعة مع الكويت.