لو سألك أحدهم بأن تصف ذاتك، فستبدأ بتمييزها عن كل ما لا علاقة لك به، فأنت لا تحب هذا وتفضل ذلك أكثر، وستقوم بشرح خريطتك الشخصية، بما في ذلك أفكارك، ووجهات نظرك، ودوافعك، وقيمك، والأشياء التي تحبها، والأمور التي تكره فعلها، وقناعاتك ومعتقداتك، وبذلك يمكنك ممارسة الحرية الشخصية في تعريف نفسك، ومع مرور الوقت، وازدياد الخبرات التي تمتلكها، والتجارب التي تواجهها، سيزداد تنوع أفكارك، وستتضح صورتك أكثر عن نفسك، فعلى سبيل المثال، بعد تذوق ايس كريم الشوكولاتة ستكتشف أنك تفضله عن الليمون، وهكذا يتكون واقعك الشخصي من خلال تنوع تجاربك في الحياة اليومية، وتكتسب إدراكك عن نفسك والعالم من حولك، وتنظم وجودك بطريقة ذات مغزى، لأن تجربتك المباشرة تتغير ويتم تنقيحها وصقلها يوميا عبر التعرض للفروق الدقيقة في الحياة، وتمكنك من تغيير صورتك الذاتية في أية لحظة، وكلما نما وعيك الذاتي من سن الطفولة إلى مراحل النضج ستحذف وتعدل ما لم يعد مناسبا لك من قناعات أو صفات، مثلا قد تقول «لقد اعتدت أن أكون خجولا، ولكنني لم أعد الآن كذلك»، فمعظمنا يبني هويته بطريقة تدريجية مع الانفتاح على التجارب، لأن رحلة التفرد عملية إنشائية تستغرق الحياة برمتها، حتى تصبح نفسك وتتحول من نطفة لإنسان، وكلما كان الإنسان منفتحا على الاكتشاف وصادقا مع تواصله الداخلي سيكتشف المزيد عن ذاته وسيعزز بصمته الشخصية، وسيواصل نموه النفسي، وتطوير عملية التمييز الذاتي لبناء هويته، وسيقوم خلال ذلك بخطوة هامة جدا في إنشاء مؤشر خفي يشمل كل ما لا علاقة له به، وسنطلق على ذلك المؤشر اسم «الحدود النفسية»، والتي بدونها نبدو مثل قطرات الحبر التي تنتشر في بركة من المياه، وسنتماهى بسهولة مع تعريف الآخرين وأهدافهم، وقد نصل لحد الاعتقاد بأنها أهدافنا حتى دون إدراك ذلك، وربما يكون من المفيد أن تستحضر دوما تلك الحدود النفسية غير المرئية، وأن تحاول تجسيدها أمامك في كل علاقة أو تجربة، لأنها تحمي تفردك، وتجعلك واعيا لكل من يحاول تخطي تلك الحدود، فهي كحارس البوابة، لأنها تعمل بشكل ذكي انتقائي لحماية مساحتك النفسية من السيطرة والتطفل، وهذا الكلام يحمل أهمية كبيرة في ضرورة الانتباه له، لأنه يبدو مستغربا وجديدا على أذهان الأغلبية، وهذا ما يفسح المجال لتطور شتى أنواع المشكلات في العلاقات، والعكس صحيح فكلما كنت متنبها لتلك الحدود الخفية وحريصا على حمايتها من الانتهاكات، وعلى احترام حدود من حولك استمتعت بعلاقات صحية وبصمة شخصية متفردة.