تطور الحياة بمجالاتها وظهور العلوم بأنواعها لم يكن من محض الصدفة المُطلقة، بل كان لعقل الإنسان الدور الرئيس لاستمرار عجلة التقدم وازدهارها. بشكل عام، فإن المجتمعات المُتقدمة قد كان لفتورها خلال فترة ما دافع قوي لحركتها وتقدمها. لأن الفتور أو الكسل إذا طال زمنه يؤدي إلى المرض بشكل أو بآخر، ولأن الإنسان تُجبره غريزة البقاء على الخوف والحذر من كل ما يُهدد بقاءه. لذلك سعى الإنسان للبحث عن طرق متعددة تساعده على البقاء والعيش بشكل صحي وسليم لتجنب الفتور والكسل. فالعقل البشري المُفكر ساعد سلالته على الوصول إلى ما نحن عليه الآن.
العجلة التي كانت تُحرك مجتمعنا حالها كحال كل العجلات المجتمعية في العالم، التي لا بد لها أن تتعثر ليتعلم المجتمع ويعتبر من ذلك التعثر. عندما كانت العاطفة سائدة ومحركة للعقل في مجتمعنا، فإن العثرات كانت تزداد بازدياد كمية السيطرة العاطفية على العقل. وبفضل من الله تعالى ثم بفضل العلوم، التي فرضت نفسها على العقل، والتي أدت إلى اتساع مداركه، فإن المجتمع السعودي وقادته قد نهضوا نهضة معلم ومربٍ واعٍ يريد أن يحقق ذاته في وطنه. لذلك جاءت رؤية٢٠٣٠ لتعين العقل وتُذكره بواجباته، وكيفية تشغيل أدواته ليساعد المجتمع على الحياة المستقبلية.
فنحن الآن في زمن العقل، الذي غاب جزء منه تحت براكين العاطفة. وكمهتمين بمستقبل أطفالنا يجب علينا أن ننهض بعقولهم بإعادة تشغيلها، من خلال المناهج التعليمية والثقافية والهوية بأنواعها، وغيرها من الأمور التي تساعد العقل على اتساع مداركه ليصل إلى مرحلة من الوعي المعرفي ليواكب التطور القادم بشكل عام. شخصياً، ومن الإيجابيات التي لاحظتها بعد عودتي من الخارج، أولاً: اهتمام بعض المنظمات والمؤسسات بالتطوع وتشجيع أفراد المجتمع على ذلك. ثانياً: فتح المجالات الوظيفية المتنوعة، التي كانت حصرية لفئات معينة ولأسباب تقليدية. ثالثاً: تثمين الكنوز المعرفية المجتمعية والتراثية والصحية، وفتح منظومات مُتدرجة تساعد على تخصيصها لمساعدة العقل على التركيز والخروج بنتائج إبداعية تساعد المجتمع والوطن. أخيراً وليس آخراً، مازلنا نحتاج إلى تكثيف مواد ذات محتوى إثرائي متنوع من العلوم التقنية والرياضية والثقافية والفنية، وغيرها لتهيئة عقول أطفالنا على مستقبلهم بثقة وأمان.
فالعقل البشري نعمة من نعم الله تعالى، وتوظيفه لإعمار الأرض بشكل صحيح يعتبر عبادة. فالإنسان مسؤول عن عقله وكيفية استخدامه، وبما أننا في نعمتي الأمن والأمان على هذه الأرض الطيبة، فأتمنى أن نتذكر دائماً أننا في وقت ذهبي يغبطنا البعض ويحسدنا عليه البعض الآخر. فلنجتهد بطرح كل ما يثير العقل من مواضيع متنوعة، تساعده على النقد والتفكر وكيفية التمييز بين التفكير العقلي والعاطفي.