هو لص محترف في سرقة لحظاتك الجميلة ونزع تمتعك بالرضا عن حياتك، لديه قدرة خارقة على بعثرة قناعتك بكل ما تملك من نِعم، ليحولك بذلك من الشاكر إلى الله عليها إلى المتجرد الجاهل لقيمتها، مما قد يُنتج عنك شخص ناقم على ما هو عليه متذمر طوال الوقت، يتمثل ذلك اللص في حالة منتشرة لدى الكثير في الآونة الأخيرة إذ ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تفشيها واستحواذها على عقول الكثير مما انعكس سلبا على حياتهم، إنها المقارنة الدائمة مع الآخرين في شتى أمور الحياة، تلك التي تسمح لها بتفكيرك المحدود أن تتسلل إلى حياتك والعبث بمشاعرك لتجرها إلى منزلق السخط وعدم الاكتفاء، والشعور الدائم بأننا أقل من غيرنا بكثير.
يقال «من راقب الناس مات هما» إذ أنه بطبيعة الحال سوف يدخل في دائرة المقارنة التي لا تنتهي وفق سلسلة متصلة بالحقد والحسد والغيرة التي لن يجني من يصاب بها سوى الكثير من المتاعب النفسية التي ستجعل حياته عبارة عن غرفة مظلمة حالكة السواد من فرط تلك المشاعر المقيتة التي انتجتها مراقبة الآخرين والمقارنة في كل ما قد يكون التفاوت فيه أمرا عاديا وطبيعيا، فيبدأ بالسخط والتحسر على حاله والبحث عن سبل الوصول إلى ما يشعره بأنه كالجميع حتى لا يشعر بانطباعات سلبية أو مشاعر متأرجحة يملأها الإحباط، فإنه كلما حاول الابتعاد عن هذه المشاعر بالتقليد للوصول لنشوة المساواة التي يعتقدها تأصلت في داخله أكثر مما يعتقد، وهذا ما قد يجعله ينشغل بحياة الآخرين مما يسلبه التركيز على حياته والاستمتاع بتفاصيلها الجميلة التي لم يعد يراها بعد أن سقط في شباك تتبع حياة الآخرين والحسرة.
إن مسألة التصالح مع الذات واستذكار النعم التي لها وجود حتمي في حياة كل منا يجعلنا أشخاصا أسوياء قانعين بذواتهم وبما لديهم، كما أن الطموح بقدر ما هو نعمة قد يتحول إلى نقمة إن اعتقد البعض أن محاولة التقليد والتتبع الناتج عن المقارنة ستجعل منهم فئة متطورة وباحثة عن الأفضل، فالكثير منا يجهل مفهوم الاختلاف الذي هو أساس هذه الحياة، فنجاح الآخرين لا يعني أنك فاشل، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون ذلك الذي يملك المال الوفير قد امتلك السعادة، فقد يكون حُرم منها وهي بين يديك يا من تتمنى ماله وتتحسر على حالك لكنك لم تفتش عنها، بل أشغلتك المقارنة عن البحث في زوايا ذاتك عن ما يميزك أو ما قد يتمناه الآخرون ويجوبون العالم بحثا عنه وهو بين يديك، لذا يتوجب عليك التفكر فيما قد من الله عليك به واستثماره في حياتك حتى لا تدع لذلك اللص منفذا ليدخل منه.