قبل عدة أيام غرد وزير الصناعة والثروة المعدنية بحسابه في «تويتر» عن المستجدات التي طرأت على قطاع الصناعة في المملكة، بعد إكمال فترة 3 أشهر من تطبيق قرار تحمل الدولة للمقابل المالي للمصانع، ووصل عدد المصانع المرخصة الجديدة منذ إعلان القرار إلى 196 مصنعا باستثمارات تجاوزت 3 مليارات ريال، وباشر العمل فيها فعليا ما يقارب 10 آلاف موظف جديد منهم 5 آلاف موظف سعودي، وكتوقع شخصي أرى أننا مقبلون على أضعاف لتلك الأرقام خلال أقل من سنتين.
النتائج التي أعلنها معالي الوزير كانت متوقعة وإيجابية ومبشرة بالخير، كبداية للمرحلة القادمة بعد مرحلة كانت أشبه بالشلل للقطاع الصناعي قبل استقلال وزارة الصناعة، وقرار تحمل الدولة للمقابل المالي للقطاع الصناعي كان علاجا مهما في وقت أهم لهذا القطاع الذي نتأمل منه الكثير خلال السنوات القادمة لتحقيق العديد من المستهدفات في رؤية المملكة، وفي هذا المقال سأتطرق للعلاقة بين المقابل المالي وتوفير فرص وظيفية للأيدي العاملة السعودية بعد نتائج الثلاثة الأشهر التي أعلن عنها وزير الصناعة.
أحد الحلول التي كنا نطالب بها لمعالجة قضية البطالة كانت تقليل الفجوة بين تكاليف توظيف العامل السعودي وغير السعودي، وهذا التوجه لن نلمس آثاره إلا إذا كانت العملية منظمة وذلك بمراعاة نوعية الوظائف والأنشطة في سوق العمل، وما تم تطبيقه في هذا الجانب منذ عدة سنوات لم يراع نوعية الوظائف والأنشطة، مما أدى لانعكاسات سلبية حتى فيما يخص أعداد المشتغلين السعوديين، وبالرجوع لنشرات سوق العمل التي يتم إعلانها بشكل ربع سنوي نجد أن العلاقة بين توظيف السعوديين وغير السعوديين هي علاقة طردية وليست عكسية كما هو متوقع، وذلك يعني غيابا لأي تأثير إيجابي ملموس عند رفع رسوم المقابل المالي في عملية زيادة عدد المشتغلين السعوديين.
التعامل مع قضية البطالة في المملكة يختلف عن التعامل مع نفس القضية في اقتصادات دول أخرى تختلف طبيعة وتركيبة اقتصادها عن الاقتصاد السعودي، وأي تجربة عالمية في سوق العمل لا يمكن ضمان نجاحها عند استنساخها على السوق السعودي، فالتجربة «السنغافورية» على سبيل المثال من أنجح التجارب العالمية لحماية العمالة المحلية، ولكن لا يعني ذلك أن تطبيقها حرفيا على السوق السعودي سيكون ناجحا؛ وذلك لعدة اعتبارات هيكلية وزمنية.
حتى لا نصل لمرحلة حرجة أو صعوبات في تحقيق مستهدفات سوق العمل، أرى كوجهة نظر شخصية أهمية لإعادة النظر في هيكلة رسوم المقابل المالي، وذلك إما بتخفيضه لحد معين أو تحمل الدولة تكاليفه لبعض القطاعات التي من الممكن أن تستوعب دخول أيدٍ عاملة جديدة لسوق العمل بشكل كبير خلال السنوات القادمة، ومثال على ذلك قطاع «السياحة» نظرا للاهتمام الكبير في هذا الملف تماشيا مع رؤية المملكة، ونظرا لكونه من أكثر القطاعات في فتح فرص وظيفية ومشاريع إضافية لقطاعات أخرى، بالإضافة لمساهمته في توليد قطاعات حديثة على سوق العمل السعودي، مما يعني توسيع القاعدة الوظيفية لاستيعاب دخول مشتغلين بشكل أكبر لسوق العمل.
ختاما: سوق العمل السعودي أثبت أن التعامل مع قضية البطالة من الصعب أن يكون بحلول تقليدية أو مستنسخة، وأثبت أن الحلول قصيرة المدى فعاليتها أكبر من الحلول بعيدة المدى، والسبب في ذلك احتياج سوق العمل لبناء أساس قوي بشكل عاجل قبل التخطيط لأي حلول مستقبلية.