مدننا الحالية نتاج قطاع البلديات. قرارات قبل عقود ما زالت تؤرق السكان. تفتقد مدننا إلى الأنسنة والجماليات والإحسان والإتقان. تجد الجماليات في أماكن محدودة قابلة للتصوير، بينما الغالب الباقي يتمثل فيه القبح والكآبة والعشوائية والإهمال وقلة الذوق. عندما تتأملها اسأل نفسك: هل ستبدو المدينة هكذا لو أن مَنْ صنعها يحب بلده أو أنه من الأكفأ أو أن القرارات كانت مدروسة بشكل كافٍ؟ من المتعارف عليه أن المدن تعطي فكرة عن سكانها فما الصورة الذهنية، التي تنطبع لدى مَنْ يزورها، وماذا تقول عنا مدننا؟
لدينا مساحات شاسعة من مخططات المنح، التي تفتقد للبنية التحتية والخدمات المكتملة يصل بها الحال أن يموت الأطفال غرقا في مستنقعات بجانب منازلهم. مدننا متأخرة بعقود عن الاحتياج الحالي وليست مستعدة لتحديات المستقبل. تصحيح هذا العجز المؤسسي يتطلب تخطيطا إستراتيجيا محبكا هو خارج قدرة الأمانات في الوضع الراهن، وخارج نطاق عمل هيئات تطوير المناطق. مَنْ سوف يقوم بذلك؟ ومتى؟
لكل قرار تبعات وتأثير على منظومة معقدة واتخاذ القرارات الحالي بمثابة إدارة للأزمات وليس تخطيطا إستراتيجيا. لا بد من وضع حلول جذرية لجميع المشاكل الحضرية، التي «ورثتها» البلديات بدلا من الاكتفاء بالعذر بأن المسؤول الحالي وجدها «هكذا».
لن تحل هذه المشاكل دون تخطيط سليم يشرك المستفيدين، ويؤهل مددنا لمستوى معيشي يعكس جودة حياة عالية لكل شرائح المجتمع، وليس فقط المرفهين، الذين يستطيعون مجاورة المسؤولين في أحيائهم. هذه الحلول تتطلب الوقت للتنفيذ وميزانيات ضخمة تتعدى بأضعاف الميزانيات الحالية.
ولكنني عند ذكر الميزانيات ينتابني تخوف كبير حول استغلالها بالطريقة المثلى. فالفساد المالي أشبه بمرض «الجدري»، الذي ترك ندبات دائمة في المدن. الفساد مثل الثقب الأسود يمتص كل شيء ولن تنجح المشاريع في استغلال الميزانيات الأمثل حتى تراجع الإجراءات لسد الثغرات الإدارية، التي تمكنه. وللتوضيح فإن الفساد ليس فقط باختلاس الأموال، بل أيضًا في الغش في مراقبة جودة المشاريع واستلامها دون المواصفات المحددة وتوظيف الأقارب وغيره.
يتبع..