مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ليس نهاية مشروع التوسع الإيراني، وإنما هو انتكاسة حقيقية لأوهام ذلك المشروع، وهذه العملية تعكس رغبة أمريكية في وضع حد للصفاقة الإيرانية في المنطقة وتغولها على كثير من دولها، أو بعبارة أدق تطفلها السياسي والأمني والعسكري الذي قاد إلى مزيد من التأزيم في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وذلك لا يتفق مع مصالح شعوب هذه الدول وجيرانها.
لا يمكن لإيران أن تصل إلى غاياتها الإمبراطورية من خلال كل هذا الدم والموت، ولا بد اليوم أو غدا أن تشرب من ذات الكأس، فقائد ما يسمى بفيلق القدس قاتل في كل مكان يمكن أن يتوهم فيه تمديد الحلم الفارسي ولم يجرؤ على أن يمد يده نحو القدس، لذلك فنحن أمام حالة توهان ونرجسية فارغة أفضت بنا إلى نهايات غير مستقرة، وأسهمت في تأجيج الصراعات والابتعاد أكثر عن السلام والأمن الإقليمي والدولي.
من حق الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعامل مع مهدداتها بما يستحق، ولا يمكن لدولة ناهيك عن قوة عظمى أن تظل أو تبدو عاجزة عن التعامل مع ترتيبات تتعارض مع أمن الإقليم أو مصالحها أو أمن العالم، وفي نفس الوقت ليس من الحكمة أن تتعامل حكومة إيران برد الفعل وتستغرق في الوهم لتفكر في الرد على هذه الضربة بضرب مصالح أمريكا أو حلفائها، لأنها حينها ستفتح أواب الجحيم على نفسها، وهي في الواقع في أحد أسوأ أوضاعها بسبب الحصار الاقتصادي والسياسي المضروب عليها منذ سنوات، وأفقدها كثيرا من مواردها التي يمكن أن تستعين بها في المقاومة.
قد تتسبب إيران في أضرار لأمريكا وحلفائها إذا ما اختارت التعامل برد الفعل، ولكن ذلك مرحلي وسيزول سريعا وينتهي بزوال النظام، فرسالة أمريكا الكامنة في هذه الضربة "وإن عدتم عدنا" وبأشد بحيث تصنع الفارق وتضع حدا لمثل هذه المغامرات الأمنية والعسكرية، فالعالم لم يعد يحتمل الكثير من المهددات، وحين أوجعت اليابان حليفتها حاليا الولايات المتحدة الأمريكية في بيرل هاربر، جاء رد الفعل الأمريكي بإلقاء أول قنبلة نووية في هيروشيما وناجازاكي، وتم مسح مشروع التوسع الياباني الإمبراطوري من الوجود وإعلان الاستسلام.
وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فقد يفعل مرة أخرى إذا بادرت إيران إلى ضرب هدف أمريكي في المنطقة، لذلك فالمسألة معقدة وليست بالبساطة التي يمكن احتمال ردة فعل هوجاء لمقتل سليماني، بل هي فرصة لإعادة النظر في سياسات إيران في المنطقة، والحد من تدخلاتها ومشاغباتها وتوجيه وكلائها لضرب مصالح دول المنطقة وأمريكا، فإذا بدأت حرب لا يمكن معرفة متى تتوقف ولكن نتائجها ستكون حريقا يطال النظام الإيراني ووكلاءه بحيث لا تقوم لهم قائمة أخرى.
ما يؤخر حسم الشغب الإيراني ليس الخوف من رد الفعل لنظام يائس، وإنما الأمل في السلام معه والاندماج في منظومة إقليمية يمكن أن تسع الجميع دون تهديد أو قلق، ولكن ثبت الآن أن نظام إيران لا يحتمل السلام، وإنما يعيش أحلام التوسع التي ذكرها سليماني نفسه في أحد خطاباته، بأن غايتهم هي إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية وليس شيئا آخر يتعلق بالقدس وفلسطين أو حفظ أمن وسلام العراق وسوريا ولبنان، والسؤال ما المبرر لأن يخدم غيره هذا المشروع؟ في الواقع ليست هناك مبررات سوى استغفال واستغلال الآخرين ببشاعة، تحت ذات المرتكزات الدينية التي يستغلها كل تاجر دين من أجل تحقيق أهدافه غير الإنسانية، والتي لا تتفق مع المنطق السياسي والأمني والإستراتيجي.
@sukinameshekhis