عدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياج سوق العمل يعتبر من أهم مسببات تفاقم معدلات البطالة في المملكة، وهذا الأمر متفق عليه ولا يمكن إنكاره، وأغلب الحلول التي تمت من ضمن حزمة الإصلاحات في سوق العمل تسببت في وجود «العمالة الناقصة» والتي لا يتمنى أي اقتصادي أن نصل لها، وسبب وصولنا لتلك المرحلة هو التركيز على الجانب الكمي بشكل أكبر من الجانب النوعي.
بالرجوع لنشرات سوق العمل نجد أن من أعلى النسب للمتعطلين السعوديين «من الجنسين» هم من حملة شهادات البكالوريوس ويليها حملة الشهادات الثانوية أو ما يعادلها، وبتفصيل أكثر نجد غالبا أن الذكور الحاصلين على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها يمثلون الشريحة الأكبر من حيث عدد المتعطلين من إجمالي المتعطلين السعوديين «الذكور» يليهم الحاصلون على شهادات البكالوريوس، وتلك الإحصائيات متوقعة لأن فعليا لم نجد أي مبادرات مؤثرة تتركز في معالجتها بشكل فعال حتى الآن، أو حتى برامج لتحويل مسار تخصص المتعطلين حتى تزداد فرص حصولهم على الوظائف في القطاع الخاص.
كوجهة نظر شخصية أرى أهمية للتركيز على برامج ومبادرات لتحويل مسار مؤهلات المتعطلين عن العمل، بالإضافة للعمل المسبق على التنبؤ بطبيعة الوظائف المستقبلية التي يحتاجها الاقتصاد السعودي، والشق الأول يحتاج إلى حلول عاجلة بالشراكة مع منشآت القطاع الخاص لأن القطاع العام وحده لا يمكنه القيام بذلك، أما فيما يخص الشق الثاني المتعلق بالتنبؤ بطبيعة الوظائف المستقبلية فهو ليس بالأمر السهل، فهناك متغيرات عديدة قد تطرأ بسبب التطور التكنولوجي على المستوى العالمي، وتلك التطورات قد تنسف كل التوقعات المستقبلية للوظائف المتوقع ولادتها في أي اقتصاد، وللتقليل من هذا «الخطر» من المهم أن يكون هناك مركز أبحاث متخصص في الاحتياجات الوظيفية المستقبلية لسوق العمل وبتعاون فعال بين ثلاثة وزارات «الاقتصاد، العمل، التعليم».
هناك حلول مهمة لتحويل مسار مؤهلات المتعطلين عن العمل بالشراكة مع منشآت القطاع الخاص، وتلك الحلول للأسف لم يتم استغلالها، وتحتاج لدعم لأنها محور أساسي في تحويل المسار التخصصي للعديد من المتعطلين، والذين أغلبهم يحملون المؤهلات الثانوية أو مؤهلات في تخصصات تشبع منها سوق العمل أو لا توائم متطلبات السوق، وأهم تلك الحلول نجدها في معاهد منشآت القطاع الخاص «الصناعية»، والتي من خلالها يتم تدريب الملتحقين فيها ببرامج خاصة في تخصصات تحتاجها المنشآت، ومن ثم يتم توظيف خريجي تلك البرامج مباشرة في المنشآة نفسها أو منشآت أخرى، مما يعني العمل السريع على إعادة مسار التخصص للعديد من المتعطلين بما يناسب متطلبات سوق العمل.
معاهد منشآت القطاع الخاص والتي نجدها في المنشآت الكبيرة والعملاقة الصناعية تعتبر ذراعا أساسيا مهمة في معالجة قضية البطالة، وحتى نصل للاستفادة القصوى من تلك المعاهد فنحتاج لتوطيد علاقتها مع القطاع العام وذلك من خلال برامج دعم مادي لها، وتلك العلاقة ممكن وصفها بعلاقة «Win to win»، فجميع الأطراف فيها مستفيدون من بناء العلاقة للوصول لهدف واحد وهو معالجة قضية البطالة.
في الفترة القادمة أرى أهمية لوجود تحرك كبير من وزارة الصناعة وصندوق الموارد البشرية بالإضافة لوزارة العمل في هذا الملف المهم المهمل، فسوق العمل في الوقت الحالي يحتاج لمبادرات سريعة وفعالة لإعادة المسار التخصصي للعديد من المتعطلين، حتى نقلل من معدلات البطالة ونخرج من دوامة العمالة الناقصة والتي لن تضيف أي تراكم معرفي في سوق العمل.
ختاما: معاهد منشآت القطاع الخاص «الصناعية» أصيبت بالشلل خلال السنوات السابقة، مع العلم بأنها نقطة أساس مهمة في عملية الإحلال التدريجي لدخول مشتغلين سعوديين لسوق العمل، فهل نرى تحركات جادة لدعمها؟.
@Khaled_Bn_Moh