أولا أنا من أنصار الشكر حتى على الواجب، ولست ممن يقول: واجبه أن يقوم بعمله الذي يتقاضى من أجله راتبا، إذا فلماذا يشكر؟!
فالشكر أهدافه أكبر من شكر المشكور، هو دليل على رقي الشاكر، فلا يذكر الفضل لذوي الفضل إلا ذوو الفضل، وهو صفة من صفات رب العزة والجلال، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس، كما أن فيه دعما وتثبيتا للمتميز على مسيرة التميز التي نحن بأمس الحاجة لثبات المتميزين عليها، بالإضافة إلى ما قال الأول:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
ما يخيفني في موضوع الشكر أمران:
الأمر الأول: أن هناك زيادة في الشكر على أمور بدهية، فهناك من يشكر الولد على بره بوالديه وقيامه بحقوقهما، وهناك من يشكر الزوج على احترامه لشريكة حياته وحرصه على تربية أولاده، وهناك من يشكر الزوجة على أنها ناجحة في بيتها وليست خراجة ولاجة.
نعم، كل هؤلاء يستحقون الشكر والتقدير والدعاء والاقتداء، ولكن كثرة الشكر على مثل هذه الأمور قد يدل على أن هناك ندرة فيها، وهذا ما لا نتمناه، فشكر البار قد يعني أن الأكثر أصبحوا بعيدين عن والديهم حتى رأينا السائق والشغالة هما من يراجع بالوالدين المستشفى، وشكر الزوج الناجح قد يعني أن أغلب الأزواج أصبحوا يفرغون مشاكلهم في زوجاتهم بلا احترام وتقدير لشريكة الحياة وأم الأبناء أو يقضون أوقاتهم بعيدا عن الأولاد ما بين الاستراحات والمقاهي، وشكر الزوجة الناجحة قد يعني أن الكثير بين المطاعم والأسواق بينما الأولاد بيد الشغالة.
هنا يصبح الشكر - مع ضرورة بقائه- دليل على خلل يجب أن يعالج ويراجع، فتميز مجتمعنا بقيمه التي يجب أن نحرص كل الحرص على عدم التنازل عنها، ويصبح الشكر مخيفا أكثر: عندما يطلب صاحب الواجب الشكر ويغضب حين لا يشكر، فتسمع الموظف المتميز يشتكي من بيئة لا تقدر فيتسيب، والابن البار يقارن حاله بإخوانه ويقول: لماذا أنا الذي يتحمل، وبقية إخواني مقصرون، فيترك ما ميزه الله به، والزوج أو الزوجة المميز يمن تميزه على شريكه ليلا ونهارا، ويطلب منه أن يحمد الله عليه.
هنا يجب أن يقال لمثل هذا: هذا واجبك وأنت الرابح الأكبر في الحاضر والمستقبل، ولذلك اشكروا وانتبهوا.