من السهل جداً صناعة المنحرفين، فإن أردنا ذلك فما علينا إلاّ أن نطبق قانون الغاب في تعاملنا مع أبنائنا، كما يفعل بعض الآباء والأمهات في بعض الأسر التي دفعتني لتناول هذا الموضوع المؤسف.
صناعة المنحرفين ليست صعبة، مارسوا معهم شتى أنواع العنف، ولا يهم أي نوع منه فجميعها تؤدي للانحراف والتطرف والانحدار للهاوية. القسوة الزائدة والتدليل الزائد نقيضان، لكنَّ صناعتهما واحدة، فنون متنوعة من التخبطات الفكرية وغيرها من الأفكار الشاذة، ومن السلوكيات السيئة الشذوذ الأخلاقي والجرائم بأنواعها.
أما التهميش والإهمال فأكبرها وأكثرها سوءاً يفرز جيلاً ضائعاً يدور حول نفسه بين مطرقة الانحراف وسنديان التهميش والإهمال. ومن أمثلة الإهمال ترك الأطفال للخدم الذين لا تُعرف عقائدهم واتجاهاتهم، وغير مؤهلين للتربية أساساً فكيف تُترك الأمانة في أيدٍ غير أمينة؟!!. وللبيوت غير المستقرة التي يكثر فيها النزاع بين الأبوين، وتخلو من الأمن والاستقرار النفسي والعاطفي والعيش ضمن جو أسري صحي إسهام كبير في توفير بيئة ومرتع خصب لميكروبات الانحرافات، وكذلك التفكك الأسري وما يرافقه من تزعزع في العلاقات والصلات الإنسانية والاجتماعية.
إحساس الحدث أو الشاب بالوحدة لتجاهل مشاعره واحتياجاته من الكبار والحرمان، وأيضاً تفريغ كافة العقد النفسية المورثة لدى الوالدين على الأبناء وتطبيق التربية المشبعة بالأخطاء. كلها تسهم -إلى حد كبير- في صناعة الجريمة وتحويل الأبناء إلى قنابل موقوتة، سرعان ما تنفجر وتدفع بالأبناء -دون تفكير- لأصدقاء السوء ولجماعات غير معروفة النوايا والتوجهات، فيتأثرون بهم تأثيراً مباشراً فكرياً وسلوكياً. ومع فقدان الرقابة والجلوس والحوار مع الأبناء لمعرفة مشاكلهم يصبحون هدفاً سهلاً لتلك الجماعات ولأصدقاء السوء.
نشء بائس معقد يعيش وسط بيئة بعيدة كل البعد عن دفء العلاقات الحميمة والحب والثقة المتبادلة.
ضياع الأبناء مسئولية الكبار "البيت"، "المدرسة"، "المجتمع"، وضعف الاحتواء الداخلي والاحتواء الخارجي سبب المشاكل.
المدرسة تقويم وتوجيه وتربية وتعليم، وفشل بعضها سببه تقصير الجهاز التربوي والنظام الداخلي، وللانفتاح والتطور السريع في الثورة المعلوماتية دور لسلبياتها، وحتى لا نظلمها أقول إن لها إيجابيات كما أن لها سلبيات، إلاّ أن سلبياتها أكثر مع عدم تفعيل الدور الرقابي والتوعوي من قبل الأهل للأبناء واستفرادها بالمراهقين والشباب الصغار، فترويج الأفكار السيئة المضللة للشباب والعبث بدينهم وأخلاقهم وارد.
فإذا كان مستقبل أبنائنا مهماً بالنسبة لنا -وهذا لا يختلف عليه اثنان- فحاضرهم أهم، لأن المستقبل حصاد للحاضر ونتاج للماضي الذي لا يمكن -بأي حال- الفكاك منه، فلنزرع خيراً لنحصد خيراً.
تقوية الوازع الديني والإيمان بأن الله يراقب كل الحركات والسكنات نغرسه في نفوسهم، مع بث روح الواقعية في أذهان الشباب الصغار أصحاب الطموحات والأحلام المتهورة بإقناع، ويجب ترسيخ مبدأ الولاء والانتماء للوطن والمساس بأمنه خط أحمر.
aneesa_makki@