يروى أن الحرقة بنت النعمان بن المنذر أشهر ملوك المناذرة، واسمها هند وكانت امرأة جميلة فصيحة نشأت في بيت ملك وعز، أتاها عبيد الله بن زياد القائد الأموي ووالي العراق فسألها عما أدركت ورأت، فأخبرته، ثم قالت: كنا مَغْبُوطِين فأصبحنا مَرْحُومين، فأمر لها بهدية، فقالت: أطعمتك يَدٌ شبعى فجاعت لا يد جَوْعَى فشبعت، فسُر زياد بكلامها، وقال لشاعر: قيّد هذا الكلام لا يدرس (يزول)، فقال الشاعر:
سل الخير أهل الخير قِدماً ولا تسل
فتى ذاق طعم الخير منذ قريب
نسأل الله السلامة من كل يد جوعى فشبعت من قريب، ولكن ليس هذا هو المراد من إيراد هذه القصة ولا المراد التدليل على تقلب الدنيا وتغير أحوالها سريعا، بل هو سؤال طرحه توجيه زياد للشاعر: قيّد هذا الكلام لا يدرس!
هل شعرنا اليوم (نبطيا وفصيحا) يحفظ الأحداث لكيلا تزول؟ وهل شعراؤنا يدركون أهمية دورهم والمأمول منهم؟
أتمنى أن تكون الإجابة نعم!
فالشعر ديوان العرب، ولن يستغني العربي عن الشعر مهما ظهر من آلات وأجهزة، بل لقد أصبح من أغراض الأجهزة في مجتمعنا الاستماع للشعر ومتابعة جديده.
ولكن بقاء الشعر وتأثيره طويل الأمد يكون بقوته، وسمو غرضه، ولذلك لابد أن يعتني الشاعر بتقوية شعره، وتوسيع اطلاعه، وإدراك دوره الرسالي في هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه، أما الوقوف عند الغزل والبكاء على المحبوبة فقط، أو الانشغال بالأغراض البسيطة التي لا تؤرخ إلا لأمور لا تستحق، أو الاسترزاق بالشعر مدحا وقدحا، فإن رضي بالغ في مدحه، وإن غضب بالغ في قدحه، فلن تبني مجتمعا ولن تُكسب أجرا ولن تُبقي للشاعر ذكرا!
مجتمعنا يواجه هجمة شرسة وعلى صعد متعددة، ولذلك الأمل في الشعراء أن يقوموا بدورهم في الذود عن وطنهم، وليس شرطا فهم العدو أو خوفه، ولكن الأهم أن يفهم المواطن ما يتميز به وطنه ويحافظ عليه، وأن يحفظ الشعراء بشعرهم ميزات مجتمعهم، حتى تكون خير دليل للأجيال القادمة على أن أجدادهم لم يضيعوا ما بناه آباؤهم، بل نقلوا لهم المكارم كابرا عن كابر، وهذا من أساسات بقاء المجتمعات.
@shlash2020