تعلم الكثير من الأطفال ممارسة الابتزاز العاطفي مع والديهم، فيلجأون للصراخ والبكاء للحصول على الانتباه أو حيازة ما يريدون، وتنجح بعض الأمهات في إفساد هذه الخدعة الطفولية بالقيام بما يلقبه أخصائيو السلوك بمحاولات الإخماد، وهو عدم الاهتمام بعويلهم والانصياع لابتزازهم، ولو تفاعلت مع الصراخ لزاد هذا من حدة الابتزاز مستقبليا، وستكون بذلك قد ساهمت في مكافأة تواصله العنيف وسلوكياته التدميرية، وسيتعلم الطفل حينها أن بإمكانه الحصول على ما يريد ببضع دقائق من العويل والنحيب. ولذلك يكبر الكثير وهم يمارسون هذا الأسلوب دون وعي منهم، فهم يعتقدون أنه لا يد لهم في المشكلات التي تحدث لهم، ساعين وراء اهتمام المحيطين بهم لحل مشاكلهم، منطلقين من افتراض داخلي بأن «إنقاذي هو مهمة شخص آخر»، فهم دوما ما يستعرضون مشاكلهم على الملأ للتأكد من استقطاب جمهور متعاطف معهم ومتكفل بمداواة سلوكياتهم، وكثيرا ما يكون الدافع وراء ذلك هو الأمل الخفي في أن يلاحظهم شخص ما ويجعلهم يتوقفون عما يقومون به، وعادة ما يكون السبب هو افتقار طفولة هؤلاء الأشخاص إلى النظام التربوي، لأن الأبوين كانا منشغلين أو مشتتين جدا عن تعليم أبنائهم السيطرة على النفس، وهو سيناريو متكرر جدا بين المراهقين، الذين يثيرون المشكلات بحثا عن الانتباه أو جذب الاهتمام، أو تعويضا عن نقص الحب، أو الحاجة إلى وجود حدود لتعديل المسار الجامح للذات، ويمكنك أن تستوعب المفهوم بتأمل بعض الصغار، الذين يصرخون ويبكون بصوت عالٍ وما أن تحتضنهم بين ذراعيك حتى تهدأ الأمور، فالأطفال يحتاجون إلى حدود خارجية تشكل أساس شعورهم بالأمان والحماية والحب، كما أنهم يحتاجون إلى إخبارهم بما يعد غير مقبول، وإلى توضيح المساحات المتاحة لهم للتحرك، وبهذه الطريقة وبالممارسة المتكررة تصبح مبادئ السيطرة على النفس محفورة في نظام دوائر الدماغ، وبدون تلك التدريبات يظل النظام الداخلي للأمان نظاما هشا، يجعل الفرد يفقد سيطرته وينهار تماما أمام أبسط الضغوط.
فالأطفال الذين نشأوا دون تعلم الالتزام، أو بتعاليم متضاربة غير متسقة، أو ببساطة تم إهمالهم شعوريا، يرثون كمية هائلة من الغضب، لأنهم لا يشعرون بالأمان عند تركهم بمفردهم، فهم يعلمون بالفطرة أن الإرشاد والحدود جزآن من الحب الأبوي، فيلجأون في مراهقتهم للسلوكيات المستفزة بحثا عن شخص محب يظهر قدرا كافيا من الرعاية والاهتمام، وهناك مقولة طريفة تقول «إن يكون عندك أطفال لا يجعل منك أباً، تماماً كأن يكون عندك بيانو لا يجعل منك موسيقارا»، فمرحلة الطفولة المبكرة تُعد فترة حاسمة للتنشئة الاجتماعية لدى الفرد، وعلاقة الطفل مع والديه لها تأثير كبير على تنشئته الاجتماعية لاحقًا، إذ إن عواطف الحب والمودة، التي يتلقاها الطفل من والديه وأسرته مبكرًا تلعب دورًا كبيرًا في صقل شخصيته الاجتماعية وقدرته على الاندماج مع الآخرين، والكثير من السلوكيات العدوانية عند الأطفال أو المراهقين يرجع سببها لخللٍ في علاقاتهم بوالديْهم، ولهذا يقولون «إن تربية الطفل يجب أن تبدأ قبل ولادته بعشرين عاما، وذلك بتربية والديه».