دخل «ليوبولد فايس» الإسلام بكلمة.
و«ليوبولد فايس» شاب نمساوي يهودي، كان في العشرينات من عمره عندما غادر الأراضي الفلسطينية في طريقه إلى مصر، وكان يجيد بعض العربية حينما صادف أحد الرعاة من أبناء بادية سيناء، فأراد أن يستدلّ منه على الطريق، كان البدوي يصلّي، فانتظره حتى فرغ من صلاته، لكن البدوي وقبل أن يدلّه، ذهب إلى راحلته، وأحضر زوّادة طعامه، وقدمها له قائلًا: (تفضل)!!.
يقول فايس: هزّتني الكلمة من أعماقي، كيف يطلب مني أن آكل طعامه، ثم ينسب الفضل إليّ!، المنطق يقول إنه هو صاحب الفضل، سألته: كيف آكل زادك ويصبح لي الفضل؟، أجاب البدوي: ديننا يأمرنا بذلك، عندئذ قرر الرجل أن يغيّر طريقه إلى مكة، ليصبح فيما بعد المفكر والناقد والمصلح الاجتماعي والدبلوماسي (محمد أسد) صاحب الكتاب الشهير «الطريق إلى مكة». لا أعرف لماذا تذكرتُ حكاية محمد أسد وأنا أقرأ مؤخرًا خبر استضافة إحدى الأسر السعودية في مدينة ضباء الساحلية لسيدة كندية تدعى (دنيس) مولعة بالرحلات، واكتشاف ثقافات العالم، بعد أن أبدتْ رغبتها في السكنى مع الأسرة السعودية للتعرف على الثقافة الاجتماعية والأسرية بتفاصيلها من الداخل، وكانت قد قدّرتْ أن عليها أن تدفع لهم مقابلًا ماليًا نظير هذه الخدمة، قبل أن تفاجئها الأسرة بالترحيب بها كضيفة، تستحق الحفاوة والتقدير التي يحظى بها كل الضيوف، تقول «دنيس» التي انبهرت بطبيعة التماسك في الأسرة السعودية، والألفة والاحترام المتبادل فيما بين أفرادها، ثم كرم أخلاقهم، ومعاملتهم للضيف كواحد منهم أنها لاحظت: أنهم يجتهدون في معرفة رغباتها حتى قبل أن تقول، وهذا الانطباع الرائع الذي خرجتْ به هذه السيدة الكندية، يفوق في تأثيره ما يمكن أن يصنعه الإعلام، لأن الرسالة في هذه الحالة تمتْ مباشرة من خلال المرسل إليه ودون وسيط، وهي بالتأكيد أبلغ الرسائل، التي يجب أن نحرص على تقديمها للعالم، أولًا كجزء من أخلاقيات ديننا، الذي طالبنا الفاروق عمر بن الخطاب «أن ندعو إليه صامتين»، قالوا له كيف؟: قال «ادعو إليه بأخلاقكم».
ما يحزنني حقًا بعد فتح أبواب السياحة، هو بعض المشاهد التي يبثها الإعلام الجديد لبعض الشباب، والذين يحاولون تسويق خفة الدم، حينما يمارسون (الهبل) على بعض السياح مستغلين جهلهم بلغة البلاد، أو حتى فوارق اللهجة، وبطرق فجة تُسيل العرق البارد من جبين أي عاقل، ذلك لأني على يقين من أن السياحة ثقافة قبل أن تكون جمادات، ومنشآت، وأدوات، لذلك لا بد من تفادي مثل هذه الرسائل الخاطئة.
fmsr888@gmail.com