صدور نظام للذوق العام خطوة عملية لمكافحة التصرفات غير اللائقة، التي قد يرتكبها بعض الناس عامتهم وخاصتهم بقصد أو دون قصد.. خطوة تعيد سلوك من يخالف الذوق العام إلى طريق الصواب، بعد أن أصبح هناك من يحاسبه بموجب هذا النظام، ومخالفة الذوق العام هي عند بعض الناس عادة وليست هفوة يمكن أن يندم عليها، ولعل تحولها إلى عادة راجع في الأساس لغياب النظام الذي يحول دون ارتكاب هذا التصرف المخل بالذوق العام، وكما هو شأن الأنظمة بصفة عامة فإن الهدف منها هو محاولة تنقية المجتمع من سلوكيات الأفراد المسيئة في الدرجة الأولى لمن يرتكبها، لأنها تشوه سلوكه في نظر الآخرين، والمسيئة في الدرجة الثانية لمن توجه بحقه، لأنها تمثل اعتداء على خصوصياته وحريته الشخصية، وهو أمر سائد بين بعض أفراد المجتمع.. جاء هذا النظام ليضع له حدا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليضع الجميع أمام مسئولياتهم الأخلاقية والاجتماعية التي تفرض على كل فرد سلوكا سليما يتفق مع فطرته، وينسجم مع تعاليم دينه الذي أوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وفقه العبادات لا يكتمل إلا باكتمال فقه المعاملات.
لكن صدور هذا النظام لا يكفي ما لم يتم تنفيذه بحذافيره ودون تهاون أو ضعف، وهذا يقتضي بالضرورة توعية الناس بهذا النظام، لأن الهدف الأساس ليس تطبيق الجزاءات وتحصيل الغرامات، بل الهدف هو مراعاة أسباب ذلك، باتباع النظام وتجنب تبعات مخالفاته، وعدم الوصول إلى مرحلة دفع الثمن لسلوك يمكن تحاشيه بسهولة، إذا عرفت نتائجه التي لن تكون سهلة على كل من يسيء التصرف مهما كانت الدوافع والأسباب، من هنا تأتي أهمية التعريف بهذا النظام، والتحذير من مخالفته، والتأكيد على أهمية السلوك السوي بالنسبة لكل فرد من أفراد المجتمع مهما كانت مكانته أو علا شأنه، لأن الجميع أمام النظام سواسية، والجميع أمام النظام مسئولون عن تصرفاتهم، وسلوكياتهم العامة.
والمؤسف أن الرعونة قد تنتاب بعض الأشخاص اعتمادا على دوافع الوضع الاجتماعي الذي يعيشه، أسريا أو اقتصاديا أو رسميا، وهو الأمر الذي لم يعد مجديا ولا مقبولا بعد صدور وتنفيذ هذا النظام الذي لا يعترف بالمحسوبية أو الواسطة أو المراعاة لأي وضع مهما كان حين ارتكاب خطأ مخالفة النظام، وكم عانى المجتمع من سلوكيات بعض أفراده الذين لا يقيمون وزنا لغيرهم، ولا يراعون الأنظمة الرادعة لكل سلوك معيب أو تصرف مشين، والمؤسف أيضا أن ذلك قد يرتكب ممن يفترض أن يكونوا قدوة لغيرهم من الشخصيات المرموقة، أو أولياء الأمور الذين يقدمون أسوة سيئة لأولادهم بارتكاب الخطأ أمامهم ودون تردد أو خوف من ارتكاب أولادهم للخطأ نفسه، وكأنهم يقدمون المبرر التربوي المحرض على السلوك غير السوي.
التوعية والتربية عاملان حاسمان في تطبيق النظام سواء هذا النظام المختص بالذوق العام أو أي نظام آخر له علاقة بالسلوك والتصرف الحسن والاستقامة، وغير ذلك مما يمكن اختصاره في عنوان مكارم الأخلاق، وبما أن التوعية مهمة فلا بد أن تتصدى له آلة الإعلام القادرة على توجيه بوصلة الرأي العام إلى الاتجاه الصحيح، لتنبيه الغافلين من غفلتهم، وتحذير المتهاونين من تهاونهم، ليصبح احترام الذوق العام ثقافة تلقائية عامة يمارسها الفرد دون تكلف أو ضغوط عقابية لن تكون في صالحه في جميع الأحوال، وتجنب الخطأ دوما أجدى من الوقوع فيه، والفرق شاسع بين من يتصرف بمسئولية، ومن يتصرف بإهمال أو تعمد، وحضارة الشعوب تقاس بمدى تمسك أفرادها بمكارم الأخلاق ومنها المحافظة على الذوق العام.