للكاتب الإيرلندي الساخر برنارد شو المتوفى عام 1372 هـ طرفة شهيرة تقول: إنه قابل امرأة جميلة في إحدى الحفلات، فقالت له: ما رأيك أن تتزوجني، فيأتي ولدنا بجمالي واكتمال عقلك؟. وكان رد برنارد شو: من يضمن ألا يأتي بقبحي ونقص عقلك؟! وعندما تقرأ في تاريخنا تجد في كتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني المتوفى سنة 562 هـ ترجمة لعمارة بن عقيل الخطفي الشاعر بأنه كان واسع العلم غزير الأدب، وقدم بغداد فأخذ أهلها عنه، وروي عنه قوله: كنت امرءاً دميماً داهياً، فتزوجت امرأة حسناء رعناء ليكون أولادها في جمالها ودهائي، فجاءوا في رعونتها ودمامتي. قد يكون برنارد شو قرأ طرفة عمارة بن عقيل فطبقها على جميلته، وقد يكون وافقه فمثل هذه الطرفة مما يمكن التوافق عليه، لا مشكلة، ولكن المشكلة في تداولنا لطرفة برنارد وإهمالنا لطرفة عمارة. ولو كان الأمر مقتصراً على طرفة فمن الممكن التجاوز، ولكن ما لا يمكن تجاوزه أن البعض ضعف حتى أصبح يعتقد أن كلامه بلغة قومه تنطع بينما كلامه بلغة أجنبية دليل حضارة وتقدم، وقل مثل ذلك في آداب المائدة، واللباس، والطرح العلمي والثقافي، وما في حكمها. قال لي أحد الظرفاء يوماً: تريد ممن يتلقى كلامك أن يعطيك أعلى درجات الاهتمام والانتباه؟ قلت: نعم ولا شك. قال: اترك عنك قال الإمام فلان والأديب علان، واخترع أقوالا وانسبها لتوماس عام 1945. قلت: ومن هو توماس؟ قال: لا يوجد! ولكن من الذي سيقرأ ويبحث عن توماس وقوله؟! نحتاج للاعتزاز بتاريخنا وثقافتنا، ونحتاج للإدراك أن حضارتنا فيها أغلب ما نحتاجه، وفي الاستدلال بها زيادة لقوتنا، فنحن نستند على تاريخ عريض وأصيل، ولكننا أُوتينا من عزوفنا عن الاطلاع، مع ضعف القدرة على ربط تاريخنا بجديدنا، فالمطلع على ما يحويه تاريخنا جاهلٌ بالجديد، والمتميز في الجديد جاهلٌ بما يملكه، ولذلك ليت المتخصصين في جميع العلوم يسعون لربط علومهم بتاريخنا، وقد لا يحتاج الأمر إلا إلى ضغطة زر.