كيف يمكننا أن نشبه إدمان مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل هو إدمان يشبه إدمان التدخين الذي يثير مادة (الدوبامين) الكيميائية في المخ؟ أم هو أشد فتكا على العقول والنفوس على المدى البعيد وعلى الأجيال القادمة بسبب سرعة انتشاره وقوة تأثيره؟ وسيظل هذا السؤال يلح علينا في كل مرة نحاول فيها الفكاك من اخطبوط التعلق بمواقع التواصل. وهل سيكون في المستقبل عيادات تخصصية لحل مشكلة الإدمان على التقنية الحديثة وتطبيقات التواصل؟ هذه الأسئلة سوف تظل تثار على مدى السنوات القادمة. وسوف نرى الكثير من الدراسات والبحوث العلمية والأدبية حولها؛ لأنها مشكلة متفاقمة وعويصة. وبحسب موقع ((statista، فإن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بلغ 2.65 مليار في عام 2018م، والمتوقع أن يصل إلى 3.1 مليار مستخدم حول العالم بحلول عام 2021م !! لو نظرنا إلى أرقام مستخدمي هذه المواقع في المملكة العربية السعودية وبحسب جريدة اليوم (عدد 16940)، فإن عددهم على الفيس بوك 16 مليونا، والسناب 14 مليونا، وانستغرام 12 مليونا، و11 مليونا هم عدد المستخدمين لتويتر. وحتى لا نضيع في زحام الأرقام والإحصائيات، فعدد الساعات التي يقضيها السعوديون في هذه المواقع بلغ 6.45 ساعة في اليوم الواحد (تقريبا دوام عمل يوم كامل!!). ولعلك تتفق معي أننا لا نقصد من هذا المقال أن الأمر سيئ برمته، ولكن له منافع ومساوئ، والحيطة وأخذ النافع وترك الآثار السلبية المترتبة عليه هو المقصد، وخصوصا مسألة الإدمان. وحين تحدث الدكتور مصطفى محمود - رحمه الله- عن إدمان مشاهدة التلفزيون في عصره قال: «سوف نصبح أمام جمهور مثل طفل تعود على مصاصة أو لبانة إذا حاولت انتزاعها من فمه ارتفع عويله وصراخه». والمشكلة الحقيقية أن التلفزيون أو ألعاب الفيديو وغيرها ممكن أن تغلق الشاشة وتطفئ الجهاز وتبتعد عنها مهرولا، ولكن الجوال مع تطبيقاته هو بين يديك طوال الوقت، ويذهب معك في كل مكان حتى (أكرمكم الله) في دورات المياه. والشيء بشيء يذكر، فقد روي أن جد ابن يتيمة كان إذا دخل الخلاء يقول لابنه: اقرأ ورفع صوتك حتى اسمعك. من أجل ألا يضيع دقائق من عمره في غير طلب العلم والمعرفة. فأعز ما يملك الإنسان بعد العافية هو الوقت، وكم نحن نهدره هذرا وترفا في تلك المواقع. والواقع أن الزمن لا يعود إذا ذهب ولو بمثاقيل الذهب!. وليس المقال ولا المقام التحدث عن أهمية الوقت، فذلك أمر معلوم ومفهوم، ومن القضايا التي لا تحتاج إلى إثبات، وكما قيل: توضيح الواضحات من الفاضحات. ونقطة أخرى مهمة في موضوعنا (إدمان مواقع التواصل الاجتماعي) أننا إذا لم نحسم الأمر مبكرا مع أنفسنا في ألا تأخذ تلك المواقع أكثر من حقها من أوقاتنا، فسوف تؤثر حتما على مسائل مهمة في حياتنا، كمسؤولياتنا الضرورية على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والمهني، والأسوأ أن تزاحمنا حتى في أوقات عباداتنا وأوقات الخلوة مع النفس. وحين يطغى جانب على آخر تبدأ الفوضى تعمى حياتنا وحياة من حولنا. وكم سمعنا ورأينا من تأثيرها على أشد الناس قُربا لنا كالوالدين، والأزواج والأسرة والأصدقاء. وهنا تبدأ للأسف أدوارنا في الحياة بالتخبط وتأثر سلبا، وقد تؤدي إلى توتر تلك العلاقات أو نهايتها بلا رجعة. فضلا عن الآثار النفسية والجسدية والصحية المترتبة على ذلك. ومن خلال تجربتي الشخصية، فإن الاكتفاء بتطبيق واحد فقط (تويتر أو سناب أو انستغرام) يكفي عن الجمع بينها، فالأخبار والقصص والهاشتاقات سوف تتنقل من موقع إلى آخر بسرعة البرق (لا تحزن لن يفوتك شيء!). ومحاولة التواجد في كل تلك التطبيقات في آن واحد سوف يهدر الأوقات بشكل مروع جدا ومن غير طائل. والذين تراهم يجمعون ويتنقلون بين كل تلك المواقع هو من أجل الدعاية والإعلان أو الشهرة على حساب الأوقات الثمينة والمسؤوليات المتعددة. ومن المهم ألا يغرنا أن السواد الأعظم ذاهب في ذلك الاتجاه، فليست العبرة بالأكثرية، بل بالكيفية! abdullaghannam@