سوق العمل فيه تشوهات عديدة متراكمة ويحتاج لإصلاحات كثيرة وعاجلة، وعدم الالتزام بالأنظمة والتستر نجدهما في المنشآت المخالفة بكافة أحجامها وليس بمتناهية الصغر فقط كما يظن البعض، ويبقى الضرر الأكبر ينحصر في أصحاب الأعمال الملتزمين بالأنظمة بسبب تجاوزات غير النظاميين من نفس أحجامهم دون وجود تحرك سريع يذكر، ولذلك ينبغي أن يكون هناك مرونة أكبر في حل قضية التستر التجاري المعقدة التي أصبحت للأسف مستدامة في الاقتصاد السعودي.
التستر التجاري ظاهرة أخذت مسارا معقدا بسبب محاولة بعض الجهات حلها بطرق غريبة ما أدى لعرقلة هذا الملف المهم والحساس، وبالرغم من خطورة هذه الظاهرة التي ما زالت تنخر الاقتصاد بشكل مخيف إلا أنه للأسف التعامل معها «تطبيقا» وليس «تنظيرا» ما زال أقل من المأمول، وقد يستغرق البت في قضاياها أشهرا تتجاوز العام في بعض الأحيان إذا لم يكن هذا الواقع الحالي في جميع القضايا، والحجة التي مللنا من سماعها هي التأكد من الإجراءات، وفي أغلب الأحيان إذا تقدم شخص بالإبلاغ عن حالة اشتباه لتستر تجاري نجد الجهات المعنية تطلب منه إثبات ذلك بأدلة لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال موافقة جهات حكومية بالرغم من الربط الإلكتروني المطور في الفترة الأخيرة بين الجهات الحكومية.
التستر يعرف بقيام الوافد «متستر عليه» بممارسة النشاط التجاري لحسابه الخاص بتمكين من مواطن سعودي «متستر»، سواء كان ذلك عن طريق استعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقة أخرى مخالفة للنظام، وفي بعض الأحيان تجد تسترا بطريقة احترافية لإبعاد الشبهات كالاتفاق مع المتستر عليه «ورقيا» بأن له حقا في نسبة معينة من الأرباح وبنسب غير منطقية أشبه بالشراكة حتى لا يدفع المتستر عليه الرسوم الحكومية من الاستثمارات الأجنبية حسب الأنظمة المتبعة في المملكة بالإضافة للاتفاق معه على «أجر شهري» متدن لإبعاد الشبهات.
ما أتمناه في هذا الملف هو إعادة النظر في آلية التعامل مع البلاغات فيه، واعتماد قرار وزاري بالموافقة على نقل خدمة العامل الوافد «المتستر عليه» لصاحب عمل آخر دون موافقة صاحب العمل الذي يعمل لديه العامل «بشرط» قيام العامل بالإبلاغ عن حالة التستر التجاري ضد صاحب العمل، وإذا لم يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة على جميع المنشآت بغض النظر عن أحجامها بالإضافة للتطبيق «الكامل» لبرنامج حماية الأجور فلن نصل لحلول جذرية في قضية التستر.
كوجهة نظر شخصية أرى أن هناك فرصا عديدة لضبط ظاهرة التستر وتحويلها إلى الشكل النظامي، فبالإمكان تحويل مجموعة من المتستر عليهم بعد تصحيح أوضاعهم لمستثمرين أجانب نظاميين مع التركيز على مؤشرات أداء في الجانب النوعي قبل الكمي، فبالنهاية ضوابط «التوطين» مطبقة وستطبق عليهم مهما كانت طبيعة مشاريعهم، والأهم من ذلك اشتراط جلب التقنية كأساس للموافقة على ذلك.
البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري للأسف توقعنا منه إنجازات وتحركات أكبر، وللإسراع إلى ذلك أعتقد أن من المهم إشراك إمارات المناطق في هذا الملف الذي يحتاج لتحرك سريع عند استقبال أي بلاغ لشبهات تستر تجاري في المنطقة، فكل يوم يتم التأخر فيه يعتبر هدرا لموارد اقتصادية وتهديدا أمنيا محتملا بالإضافة إلى رسوم حكومية مهدرة، وبحملات تفتيشية مكثفة على بعض الشوارع الرئيسية وخاصة في بعض الأنشطة بالإضافة لمقارنة الحوالات الخارجية مع أجور العمالة في تلك الأنشطة سنرى العجب في كمية التستر التجاري، وسنرى العجب في الأموال المهدرة بسبب تلك الظاهرة.
ختاما: أستغرب من تبريرات البعض في أن قضية التستر ينبغي التعامل معها بحذر بسبب أنها مصدر مالي للعديد من الأسر والمواطنين، فهل يعقل أن نشجع التجاوزات لهذا السبب؟