التربية مسئولة عن سلبيات وإيجابيات سلوك الفرد والمجتمع. عندما نربي الوجدان في أبنائنا فهذا أكبر دافع لحياة ضمائرهم ويقظتها الدائمة ليميزوا بين الصواب والخطأ، ويستطيعوا تقدير أفعالهم ومسئولياتهم، نربي الضمير الداخلي لديهم، «الوجدان» نعودهم أطفالا ومراهقين وشبابا على مراقبة ضمائرهم الرقابة الداخلية الذاتية التي تتمثل في فهم المبادئ والقيم الأخلاقية والسلوك، في هذه الحالة أفعالهم لا شك ستتفق مع هذه القيم ويكون لديهم وازع من دين وضمير؛ لأن مجموعة المشاعر والأحاسيس الطيبة التي ربيناهم عليها تمثل ميزان الحس والوعي عندهم فتضبط سلوكهم وضمائرهم.
ولو أجبنا عن سؤال لماذا يختفي الضمير وكيف؟ أقول: يختفي في حالات كثيرة، أهمها التربية القاصرة التي لم توجه الضمير الوجداني الوجهة الصحيحة وتتركه يغرق في متاهات لا أول لها ولا آخر، فيعلو حب الذات وتسيطر الأنا ويخفت صوت الضمير ويختفي، وهذا أسوأ واقع يعيشه المجتمع.
عندما يعلو صوت الأنا على صوت الضمير قل على الدنيا السلام!! أنانية بجميع أشكالها، أحاسيس مفقودة، مشاعر ميتة.
المعروف في الدراسات النفسية والتربوية ومن خلال الخبرة أن الأسرة المستقرة أطفالها مستقرون نفسيا ووجدانيا حتى في مراهقتهم في المرحلة الحرجة، وعكسهم الذين يعيشون في أسر غير مستقرة وغير متفهمة يضطربون نفسيا وعاطفيا والسبب أن تربية الضمير لديهم تمت بصورة عشوائية متناقضة أو بصورة نظرية فقط ولم تهتم بالتطبيق العملي -التربية بالقدوة- وهي التربية الناجحة وعكسها تربية فاشلة -يُدرّس القيم والمبادئ والأخلاق- لكنه لا يرى الكبار القدوة يمارسونها على أرض الواقع، معايير مزدوجة يراها من الكبار وهنا تكون بداية اختفاء الضمير وقد تكون بداية نهاية الضمير. غابت القدوة فتشتت الذهن، والنتيجة خطأ يجر خطأ وهلم جرا!! خاصة مع غياب الرقابة الخارجية وضمور الوازع الديني.
تهذيب الضمير وتربيته لا تقتصر على التربية في البيت وحده، لابد وأن تتكامل تربية النشء التي تتمثل في تكاتف كل المؤسسات التربوية مع بعضها البعض، مدارس، مساجد، وكل منابر العلم والتثقيف الديني والسلوكي بإيجابياتها التربوية ليستشعر الأبناء مراقبة الله في السر والعلانية.
أفعال كثيرة لها دور كبير في اختفاء الضمير يصعب حصرها وذكرها في هذا المقال، لكن أسوأها الذي يصل لموت الضمير لا لاختفائه فحسب، فقد يختفي الضمير فترة ويعود ليظهر لكن عندما يصل للموت فكيف يستيقظ الميت؟
يبدأ هذا الموت بموت الضمير المهني أكبر قضايا الفساد، فغياب الضمير المهني عند البعض قضية جوهرية هامة قد يبررها معدومو الضمير لحاجة في نفوسهم تؤدي لموت الضمائر والعمل بلا ضمير.
حسبنا من السعادة ضمائر نقية ونفوس هادئة وقلوب شريفة، يكفينا ما بداخلنا من حاكم عادل أحكامه عادلة تبقى أحكامه يقظة في النفوس هي محكمة الضمير، وتلك هي الحياة السعيدة المثالية التي نرجوها للجميع.