في أمريكا، وفي شهر ديسمبر.. كل الشوارع والمحلات تتزين للعام الجديد، وبعد انتهائي من التبضّع، ذهبتُ للمحاسبة، وتذكّرت أن محفظتي في السيارة، فاعتذرتُ للمحاسب، وطلبتُ منه الانتظار حتى أعود.
وبعد عودتي للدفع، قال لي المحاسب إن امرأة عجوزًا دفعت المبلغ ٢٨ دولارًا، وذهبت للتو.
حاولتُ اللحاق بالأشخاص المتجهين للمخرَج، ورأيتُ سيدة عجوزًا بعكازها، ناديتُها لتقديم الشكر والاعتذار. فنظرتْ إليّ وهي تبتسم، وقاطعتْ حديثي قائلة: يومك سعيد.. وذهبتْ بهدوء، ما زلتُ أذكر جمال ابتسامتها وصوتها الخافت.
في أمريكا.. وفي شهر نوفمبر، كنتُ أستعد للانتقال إلى شقةٍ أخرى.. وسألتُ صديقتي الأمريكية المساعدة في كيفية حمل الأثاث، فقالت: هل لديك مانع إذا أعلنتُ عن طلبك للمساعدات التطوعية؟ فقلت: لا مشكلة.. وبعد أسبوع جاءت صديقتي بسيارتين وثلاثة رجال متطوعين لمساعدتي في حمل الأثاث.
سألتُ صاحبتي: ماذا عساني أن أقدّم لهم؟ فقالت: قهوة أو ماء.. لقد كان شتاءً باردًا، ويومًا ممطرًا.
في أمريكا، وبعد الانتهاء من الغداء في مطعم عربي مزدحم، ذهبتُ لدورة المياه، لأجد فتاة شقراء تبكي بحُرقة.. فقلت لها: هل تحتاجين إلى مساعدة؟ فقالت: أنتِ عربيّة؟ قلتُ: نعم. فقالت صديقي الخليجي للتو صارحني بعدم رغبته في الزواج مني، بعد علاقة دامت سنتين؛ لأنه سيتزوج قريبته؛ لتعيش معه هنا، وأنا لا أعرف كيف أتصرَّف.. لقد كان طيبًا رائعًا، لكن أسلوبه في إنهاء العلاقة كان ساخرًا، وكأنني أحسستُ أنه لم يكن يحبّني.. فقلتُ لها: عزيزتي.. ثقافة العلاقات تختلف بيننا، أنا أعتذر لك، لكن قبل أن تدخلي في أي علاقة مع شاب من ثقافة أخرى، يجب أن تكوني حذرة ومُطّلعة على ثقافة الطرف الآخر.. وستكون حياتك أجمل مع شخص يشبه ثقافتك.
وفي المكسيك عام ٢٠١٦، كنتُ في رحلةٍ جامعيةٍ لحضور محاضرات مشتركة بين الجامعتين.. سائق المركبة كانت البرفيسور من أصول لبنانية، وكنا أربع فتيات من أصول مكسيكية، ورجل أمريكي.. وبعد دخولنا المدينة، شعرتُ فجأة بأنني في دولة عربية، ما بين مصر والسعودية.
ثقافة القيادة، وزحمة السير والأطفال في الشوارع، وأصوات الموسيقى الشعبية العالية، كلها أمور جعلتني أشعر وكأنني في دولة عربية.
نزلنا إلى السوق الشعبي كمجموعة أكاديمية مختلفة في ذلك السوق الشعبي، الكل ينظر إلينا، والبعض ينادينا لشراء الحلوى المكسيكية.. فطريقة عرضهم للبضائع، ونوعية بضائعهم، ومستوى النظافة العامة، كانت كلها تعطي انطباعًا قريبًا لثقافتنا البسيطة.
فهذه القصص القصيرة جعلتني أتوقف كثيرًا عندها لأتأمل تفاصيلها وأربطها مع ما تعلمته عن الشعوب الأخرى.. أيقنتُ بعدها أن ما تعلمتُه كان من وحي خيال أشخاص لا يعرفون معنى الإنسانية.. فالتنظير الخاطئ يعطي ردة فعل عكسية تمامًا أثناء التطبيق أو العمل.