قبل عدة سنوات تم تعيين أحد الضباط مديرا للمرور في إحدى المناطق، ولأنه ليس ابن المنطقة، ولا يعرف تفاصيلها، فكان عليه بالتالي أن يستمع إلى مساعديه من أبناء المنطقة، وممن أمضوا فيها وقتا كافيا للتعرف عليها وعلى طرقاتها، وعلى حركة السير فيها، وأماكن الاختناقات وأوقاتها، إلى ما هنالك، بمعنى أن أكثر ما يمكن أن يُنتظر منه أن يتعامل مع مشاكل المرور القائمة، وأن يدخل في دوامة الحلول الطارئة والوقتية، من خلال رؤية فريق عمله الموجود، وهي رؤية غالبا ما تنتهج أسلوب المواجهة، أي انتظار المشكلة ومن ثم السعي لحلها، لكن الرجل كان يمتلك عقلية مختلفة، أو بتعبير أفضل عقلية دينامية، حية، فهو لا يُريد أن يركن للمألوف والقائم، ولا أن يكتفي بالنظر من زاوية عيون وعقول المجموعة الصغيرة التي تتشارك معه في إدارة هذه الخدمة، فقرر الرجل أن يبدأ جولة في أحياء المدينة، ليصلي كل عصر ومغرب في مسجد مختلف، بحيث يقوم بعد الصلاة مباشرة بتعريف نفسه للمصلين، وليناقشهم في مشكلات حيهم المرورية، وماذا يقترحون إزاءها؟، وكانت النتيجة حسب الرجل نفسه أن خرج بجملة من الأفكار والحلول لمشكلات كانت مستعصية في تقارير زملائه، وغير مرئية أو مشاهدة في بعضها الآخر.
أريد أن أقول من خلال هذا السياق الذي توخيتُ فيه أن أستثمر الفكرة، دون أن أُشير بالاسم إلى شخصية المسؤول، حتى لا يعتبره البعض من باب المديح أو التلميع لمصلحة أو لقربى أو ما سواه: إن أي إنسان مهما كان حجم عبقريته، ومهما كان ذكاؤه، فهو قليل بنفسه كثير بغيره، وأن أي عمل تتم إدارته بتوظيف واستخدام زوايا رؤية الآخرين سيكون أقرب حظا من النجاح من العمل الذي يعتمد على الفردية أو حتى رؤية الفريق الذي يخضع لحسابات «رأس الطاولة»، ومنطق «رئيس الجلسة» وما شابه.
«الحكمة ضالة المؤمن» هذا أكيد، والرؤية التي تقع على لب المشكلة قد لا تتوفر لمتخصص دارس، لكنها قد تتكشف كلمع البرق لمن لامسته، أو حضرت في يومياته، أو قد تأتي ممن لا يُتوقع أن تأتي منه، كما يقول أشقاؤنا في مصر «يوضع سره في أضعف خلقه». لذلك أعتقد أننا وبالأخص في مسألة الخدمات العامة، نُعطل طاقة عملاقة عن الاستثمار والتوظيف، حينما نتوهم أننا كإدارة خدمة نمتلك الرأي والرؤية الأفضل فيها، طالما أنه تم توظيفنا لإدارتها، خاصة حينما نغفل عن استدعاء رؤية الآخرين وأفكارهم ممن تتجه إليهم الخدمة، ليس على طريقة (صندوق الاقتراحات) وإنما كأفكار وحلول تستحق الاحتفاء.
أريد أن أقول من خلال هذا السياق الذي توخيتُ فيه أن أستثمر الفكرة، دون أن أُشير بالاسم إلى شخصية المسؤول، حتى لا يعتبره البعض من باب المديح أو التلميع لمصلحة أو لقربى أو ما سواه: إن أي إنسان مهما كان حجم عبقريته، ومهما كان ذكاؤه، فهو قليل بنفسه كثير بغيره، وأن أي عمل تتم إدارته بتوظيف واستخدام زوايا رؤية الآخرين سيكون أقرب حظا من النجاح من العمل الذي يعتمد على الفردية أو حتى رؤية الفريق الذي يخضع لحسابات «رأس الطاولة»، ومنطق «رئيس الجلسة» وما شابه.
«الحكمة ضالة المؤمن» هذا أكيد، والرؤية التي تقع على لب المشكلة قد لا تتوفر لمتخصص دارس، لكنها قد تتكشف كلمع البرق لمن لامسته، أو حضرت في يومياته، أو قد تأتي ممن لا يُتوقع أن تأتي منه، كما يقول أشقاؤنا في مصر «يوضع سره في أضعف خلقه». لذلك أعتقد أننا وبالأخص في مسألة الخدمات العامة، نُعطل طاقة عملاقة عن الاستثمار والتوظيف، حينما نتوهم أننا كإدارة خدمة نمتلك الرأي والرؤية الأفضل فيها، طالما أنه تم توظيفنا لإدارتها، خاصة حينما نغفل عن استدعاء رؤية الآخرين وأفكارهم ممن تتجه إليهم الخدمة، ليس على طريقة (صندوق الاقتراحات) وإنما كأفكار وحلول تستحق الاحتفاء.