رغم كل المكابرات التي تصدر عن طهران للإيحاء بعدم تأثرها بالعقوبات الأمريكية، بعدما نفضت الولايات المتحدة يدها من الاتفاق النووي المبرم معها، واعتبرته معيبا وناقصا، ولا يكفي لتحجيم نوايا حكومة الملالي النووية، إلا أن حالة الاختناق التي يشهدها الاقتصاد الإيراني جراء توقف صادراتها النفطية، وتضييق الخناق على أساليبها الملتوية في الالتفاف على العقوبات قد بلغت مداها، وقد بدا ذلك واضحا من خلال تلك الضغوط التي تلوح بها طهران جهة اتخاذ خطوة استثنائية لتقليص التزاماتها النووية مع الدول الأوروبية، وذلك بالتلويح بإعلان وشيك عن خفض ثالث في التزامها بالاتفاق النووي إن لم تتمكن من تصدير وتسويق نفطها، وقد سعت فرنسا نتيجة لتلك الضغوط لإقناع الولايات المتحدة بمنح إيران خطا ائتمانيا قيمته 15 بليون دولار، أي ما يعادل مستحقاتها النفطية لأربعة أشهر، حيث ربطت الخارجية الفرنسية بين تأمين هذا الخط مقابل عودة إيران إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، وضمان أمن الخليج، وفتح مفاوضات معمقة حول الأمن الإقليمي ومرحلة ما بعد 2025م لدى انتهاء العمل بالبنود الواردة في الاتفاق، وعزا وزير الخارجية الإيراني هذه التهديدات بأنها رد على ما وصفه بتلكؤ الاتحاد الأوروبي في تنفيذ ما يخصه من بنود الاتفاق بعد الانسحاب الأمريكي الذي لخبط أوراق هذا الملف، وأعاده إلى نقطة الصفر، وفي هذه الأثناء لا يزال الرئيس الإيراني يواصل إرسال الرسائل الضمنية للإدارة الأمريكية في إشارة لجهوزية بلاده للجلوس إلى مائدة المفاوضات مع الطرف الأمريكي، الذي لم يأخذ كل هذه الإشارات على محمل الجد، متكئا على رصيد هائل من المناورات الإيرانية، كلما ضاق عليها الخناق، وكلما دخلت اقتصاديا مرحلة عنق الزجاجة، وهو ما يحدث الآن، حيث صعدت من وتيرة دعمها للمتمردين الحوثيين بطائرات «الدرون»، وربما وقفت خلف ميليشيات حزب الله في افتعال بعض الشغب مع إسرائيل في محاولات بائسة لبث مزيد من الرسائل التي تعتقد أنها يمكن أن تجبر المجتمع الدولي على المسارعة في فك الأصفاد عن اقتصادها المكبل، مما ينذر بانفجار داخلي قد يدفع الملالي ثمنه غاليا، إلا أن الشيء الذي لم تتنبه إليه طهران أن كل رسائلها التي كانت نتاج «فكر الأزمة» لا يمكن أن تنجز لها شيئا يذكر، لأن من تكون ذراعه ملوية خلف ظهره، لا يمكن أن يلوي أذرع الآخرين، وهذا ما يجب أن تستوعبه طهران.
article@alyaum.com