أشاد الكثير من الاقتصاديين وكتاب الرأي ورجال الأعمال بقرار فصل الصناعة عن الطاقة في وزارة مستقلة، فمنذ انتقال مهام الصناعة من وزارة التجارة لوزارة الطاقة قبل عدة سنوات، كان هناك تفاؤل كبير في انتقال القطاع الصناعي لمرحلة متقدمة ومتطورة، ولكن قد يكون «الحمل» كبيرا في وجود قطاعي الطاقة والصناعة في وزارة واحدة، وأدى ذلك لعدم لمس أي تطور يخص القطاع الصناعي الذي نعول عليه الشيء الكبير تماشيا مع رؤية المملكة.
بالرجوع للعديد من الأوامر الملكية في الفترة الماضية، نجد هناك التزاما لما تم الإعلان عنه في رؤية المملكة فيما يخص إعادة هيكلة الحكومة وذلك بشكل مرن، ونجد هناك مراجعة دورية ودائمة والتوجه للتغيير كلما كانت الحاجة ملحة لذلك استهدافا للأولويات التي تعمل عليها المملكة، والهدف الرئيس الذي نجده من تلك المرونة هو رفع كفاءة الأداء وعملية اتخاذ القرار، وهذا التوجه يدفعنا للتفاؤل أكثر في تحقيق العديد من المستهدفات التي تم الإعلان عنها.
بعد استقلال الصناعة في وزارة وتعيين وزير لها من قادة الصُناع ومطلع على التحديات التي يواجهها القطاع، أعتقد بأننا نحتاج لبعض التعديلات الهيكلية الإضافية تماشيا مع رؤية المملكة مما يساهم ذلك في رفع كفاءة الأداء وعملية اتخاذ القرار، ومن المهم توضيح أن عملية «إعادة الهيكلة» لا تقتصر فقط على الهيكلة الإدارية وتشمل إضافة لذلك الهيكلة المالية، ولها عدة أشكال منها «الإلغاء، التأسيس الجديد، الدمج، تعديل المرجعية»، وفي هذا المقال سأستعرض البعض منها كوجهة نظر شخصية.
بعد التوجه للتخصيص التي تعمل عليه المملكة وبتطبيق برنامج الملك سلمان للموارد البشرية في العديد من الجهات الحكومية، أعتقد بأن الحاجة لوجود وزارة مستقلة للخدمة المدنية سيقل بشكل كبير بسبب تقليص مهامها، وكوجهة نظر شخصية أرى أن من الأفضل تقنين التكاليف التشغيلية من خلال إلغائها وإدراج المهام المتبقية منها لجهة أخرى، وإضافة لذلك ووفقا لاختلاف طبيعة واحتياجات المناطق الإدارية في المملكة أرى أن أمانات المناطق الإدارية لو تم إعطاؤها صلاحيات أكبر فستقل الحاجة لوجود وزارة مركزية للشؤون البلدية والقروية.
من جهة أخرى نجد أن الاستقلالية حاجة ملحة تنظيميا في بعض الجهات، فعلى سبيل المثال هناك اختلاف كبير في مهام «العمل» و«التنمية الاجتماعية»، ولذلك الأفضل استقلال كل منها، ويستبدل مسمى وزارة العمل إلى «وزارة الثروة البشرية» ويضاف لها المتبقي من مهام وزارة الخدمة المدنية، ويكون للوزارة نائبان للوزير «نائب للقطاع الخاص» و«نائب للقطاع العام»، مع مراعاة العمل على توحيد الأنظمة التابعة للمشتغلين في القطاعين بقدر الإمكان، وفيما يخص التنمية الاجتماعية فيتم تحويلها لهيئة مستقلة بدلا من كيان وزاري مستقل، وإضافة لذلك من المهم أن يكون هناك استقلال للتعليم العالي عن التعليم العام، فلكل منهما توجهات وأهداف تختلف عن الأخرى.
أما فيما يخص إعادة الهيكلة بالدمج، فأعتقد أن الوقت حان لدمج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مع المؤسسة العامة للتقاعد في كيان واحد وتوحيد المنافع للمستفيدين، وسيساهم ذلك في تخفيف العجز المتوقع حاليا أو مستقبلا عند تحقيق التغطية التأمينية للمتقاعدين التابعين سابقا لأحد منهما، وإضافة لذلك سيتم تقنين العديد من بنود التكاليف التشغيلية للمؤسستين بعد دمجهما.
وأخيرا فيما يتعلق بتعديل المرجعية، أعتقد كوجهة نظر شخصية بأن يكون هناك تعديل لمرجعية إمارات المناطق في المملكة لتكون مباشرة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بدلا من وزارة الداخلية، والسبب الرئيس لذلك هو الدور الكبير الذي تلعبه المناطق وفقا لطبيعتها الاقتصادية والتنموية، وسيسهل ذلك من سرعة اتخاذ العديد من القرارات المناطقية واستهداف مؤشرات مرتبطة برؤية المملكة.
ختاما: الأساس في إعادة الهيكلة هو العمل على المواءمة بين متطلبات البيئة الإدارية من جهة، واستكشاف الإمكانات والطاقات التي من الممكن استيعابها من جهة أخرى.