في زحمة الفتن وتخبط العواطف، أصبحت بعض القلوب لا ترى جمال المحيط. وكأن الْحُزْن يسكنها بسبب قصور عواطف مَنْ حولها، أو لربما الخذلان قد لقّنها دروساً لتنطوي على نفسها، فهذه القلوب تنتظر مَنْ ينتشلها من المستنقع، الذي تعيشه، فنجدها تبحث عن السماء الحاضنة لها لترتقي بمنزلتها، فالعاطفة عالم يعيش فيه الجمال، الذي يبحث عن جمال آخر ليحتويه، هكذا هم العاطفيون، يعانون من عواطفهم التي تفيض حُباً للآخرين، فمعاناتهم ضرر لقلوبهم وصحة لقلوب غيرهم.
وفِي الجهة الأخرى، ومع ازدياد المعارف والعلوم نجد بعض العقول قد تِجيد فن استخدام أداة التفّكر، التي وهبها الله تعالى، فهي قادرة على التفكير والتحليل والربط ثم الخروج بنتيجة تُفتح مدارك عقلها ليكون للوعي مساحة للإبحار في عالم المعرفة. فالقدرة على التحكم في أداة التفكر وتوظيفها لصالح الذات، فهي بحد ذاتها رُقي يسمو بصاحبه إلى درجة القبول والرفض لما حوله بكل احترام وإيجابية. فالعقول الراقية هي التي تعرف كيف تُفكر لتبني لها منظومة خاصة تتحدث للآخرين من خلالها. فمنظومتها فيها من السمو ما يعين الآخرين على الصعود عالياً، فالأفكار تخلق الأفكار وحتى لو تصادمت ففي صدامها نتيجة سامية تُفيد مَنْ حولها.
ولكي نرتقي بعقولنا يجب أن نتعلم كيف نستخدم أدواته، وكون التفّكر أحد أدواته فيجب علينا أن نعبد الله من خلالها. فلا عيب في السؤال، فهو المفتاح دائماً لأبواب المعرفة. ولا عيب في التحليل، فهو لُعبة العقل التي يتسلى بها. وما أجمل الربط بعد التحليل، فهي مهارة تساعد على صُنع اللبنة الأولى لمنظومة العقل الخاصة. وفِي الاستنتاج قاعدة مُزهرة يرتكز عليها العقل، فيبدأ بطرح أفكاره وقناعاته. لذلك، فلنساعد عقولنا وعقول أطفالنا على التفكر لنرتقي بعبادة الله تعالى فكرياً. فنعمة العقل تتبارك بتوظيف أدواته بشكل سليم.
لقد أُرهِقت بعض العقول بالتلقين حتى مُنعت من التفكير أو قد وضع لتفكيرها حدود جعلها تلقي أحكاما مُطلقة وتختلق القصص الوهمية لتعيد تدوير معارفها وعلومها بشكل ممل. وبسبب هذا الملل نجد أن هذه العقول قد انحرفت عن مسارها الصحيح، والبعض الآخر قد أبدع في مهارة البحث عن المسار السليم، وبين الانحراف والاستقامة قد يجد العقل نفسه واقفاً متعجباً لا يعرف كيف يبدأ وكيف ينتهي. فالعقول الراقية تسمو بعاطفة قلبها عالياً لتحاول أن تساعد غيرها للخروج من دائرة التدوير، التي اعتادتها بعض العقول، وبين العاطفة والقلب قوة عظيمة تظهر جلية عندما يُحسن صاحبها استخدام أدواته العقلية والقلبية، وفِي هذه القوة لذةُ عبادة الخالق، التي يبحث عنها البعض، فهنيئاً لمَنْ سعى جاهداً للرقي بعقله وقلبه، في زمن كثُر فيه اللغو وكثرت الفتن.