يعود الحديث من جديد عن ما يتمتع به المعلمون من إجازة سنوية يصفها البعض بالطويلة والتي تعود بالضرر على الطلاب، كما أن هناك من يرى أنها من أبسط حقوق المعلم الذي يعتبر بمثابة الجندي المجهول الذي يعمل على تربية المجتمع وتقويم سلوكه من خلال ما يزرعه من قيم ويغرسه من علم في حاضر أجياله ليحصدوه في مستقبلهم، وقد كان لبعض القطاعات سواء كانت حكومية أو خاصة وقفة مع الرأي الأول من خلال ما أدلوا به من مقارنات ترجح كفة المعلم فيما يخص الإجازة.
أصحاب الرأي الأول يشكون من الفراغ الذي أغرق أبناءهم في وحل التفاهات التي باتت تظهر على سطح يومياتهم بعد الدراسة، فلم يعد هناك ما يشغلهم أو ما يستثمرون وقتهم فيه، كما أنهم يجدون أن إجازة المعلمين تعادل إجازتهم بأربعة أضعاف مما يخلق فارقا كبيرا على حد قولهم ويفتح باب المقارنات التي لا تنتهي، غير أنهم يرون أن تقليص مدة الإجازة لدى المعلمين مطلب يستوجب النظر فيه ويتطلب إعادة صياغته بالشكل الذي يتوافق مع إجازة جميع القطاعات، مما يجعلني أتساءل: هل فكر هؤلاء المطالبون بالمساواة في مصلحة أبنائهم قبل أن يسمحوا «لفتيل الغيرة» أن يشتعل في دواخلهم؟!.
أولا: أعترف أنني مع إعطاء المعلمين الوقت الكافي من الإجازة والتي تعادل ما هم عليه الآن، ثانيا: سأدافع عن من أشاطرهم الرأي بالمنطق وأترك لأصحاب الرأي الأول الحكم في ذلك. لا أعتقد أن فكرة أن يأخذ المعلم إجازة شهر في أي وقت يريده من السنة بالجيدة، وذلك مما قد يترتب عليه من تغيير مستمر للمعلم في المادة الواحدة بحكم نظام الإجازات المفعل طوال السنة مما يشتت الطالب وقد يؤثر على مستواه بحكم كونه اعتاد على طريقة معينة في الشرح، وإن لم يتغير فكلما قدم المعلم على إجازة ثلاثة أيام أو أسبوع سيعود لطلابه ويعوض ذلك التأخير بإعطائهم المنهج دفعة واحدة بغض النظر إن كانوا قد فهموا أم لا فهو يسابق الزمن بعقولهم، فضلا عن أن بعض المعلمين قد يسافر يوميا قرابة 200 كلم ليصل مقر عمله يوميا أو ينتظر هذه الإجازة بفارغ الصبر ليعود لأهله ويقضي معهم بعض الوقت، كما أن هناك الكثير لا يعلم أن المعلم الموظف الوحيد الذي يتطلب عليه أن يكون بشوشا طوال اليوم وذا صحة نفسية جيدة؛ لأن بين يديه من قد يتأثر بها إن تعكرت. أما من يشكو من الوقت المهدر الذي يعيشه أبناؤه فقد أدان نفسه بذلك، فهو لم يستطع استثماره بدورات تنمي مهاراتهم أو نواد يخرجون منها بفائدة وهذا ما يجعلنا نقدر دور المعلم في حياة أبنائنا أكثر، ونسعى للبحث عن سبل راحته التي سنجني ثمارها في مستقبل أبنائنا.