وفقا للتقرير السنوي الـ66 لشركة النفط البريطانية «بي بي» فإن السعودية حلت في المركز الخامس عالميا في استهلاك النفط خلال عام 2016 بمتوسط 3.91 ملايين برميل يوميا، ذلك بعد الولايات المتحدة والصين ثم الهند واليابان في المركزين الثالث والرابع على التوالي. ومعظم هذا الاستهلاك السعودي يذهب في توليد الكهرباء وتحلية المياه. وفي عام 2013 تجاوز استهلاك المملكة من الكهرباء في الصيف 53 جيجا وات وهي تعادل كمية إنتاج الكهرباء في بريطانيا، هذا الاستهلاك العالي من الطاقة يضاهي اقتصادات كبرى بالعالم؛ وذلك نتيجة للدعم الحكومي لأسعار الطاقة التي جعلت أسعار الكهرباء والوقود لفترة طويلة أقل بكثير من التكلفة، وأدى إلى استنزاف ميزانية الدولة وقلص الحافز أمام المستهلكين للترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة. يذكر خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في هذا الصدد «أن الهدر في استهلاك الطاقة يقدر بـ80 مليار دولار تكفي لبناء خمسة آلاف مدرسة». ويضيف: «إن استهلاك الفرد في السعودية من البنزين خمسة أضعاف معدله العالمي. وعليه فقد سعت الدولة إلى إصلاح هذا الخلل، وهذا الاستنزاف من خلال محاولة خفض الدعم للطاقة تدريجيا وربط أسعارها بالسعر المرجعي. وتعتبر هذه من أهم العناصر الرئيسية في برنامج تحقيق التوازن المالي خلال الفترة من 2017 إلى 2020؛ بهدف تحفيز الاستهلاك الرشيد وتشجيع إقامة استثمارات ذات ميزة تنافسية في القطاع الصناعي وإعادة توجيه الدعم للفئات المستحقة فعليا وترشيده وتقوية وضع المالية العامة، وعلى هذا الأساس فقد أسست الحكومة المركز السعودي لكفاءة الطاقة الذي يتولى مسؤولية الإشراف على ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، وتوحيد الجهود بين الجهات الحكومية وغير الحكومية في هذا المجال؛ للمحافظة على الثروة الوطنية من مصادر الطاقة ويحقق أدنى مستويات الاستهلاك الممكنة بالنسبة للناتج الوطني. كما أن «مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030» الضخم الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان في نيويورك في مارس 2018 مع مجموعة "سوفت بنك" اليابانية، سوف يسرع بلا شك في خفض الاستهلاك المحلي من الطاقة ويزيد من القدرة التصديرية للبترول، خاصة إذا علمنا أن برميل النفط يباع لمحطة الكهرباء من قبل الدولة بسعر زهيد يصل لـ5 دولارات فقط للبرميل الواحد، وبتوفير هذه البراميل نتيجة توليد الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية يمكن بيع هذه الكمية من النفط للخارج بسعر السوق والذي يبلغ حدود الـ100 دولار. فبحسب دراسة متخصصة فإن 100 ألف كيلو واط من أشعة الشمس توفر 300 ألف برميل نفط سنويا ولدى السعودية واحد من أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في العالم، وبالتالي فإن الدولة سوف توفر ما يقدر بـ40 مليار دولار سنويا عن طريق توفير حرق السوائل البترولية في إنتاج الكهرباء وتصديرها عوضا عن ذلك. كما أنه كذلك سوف يساعد الحكومة في توفير التكلفة المادية الضخمة التي تتكبدها موازنتها بسبب استخدام الطاقة الكهربائية التي يتم إنتاجها عن طريق البترول. أضف إلى ذلك أن خفض الاستهلاك المحلي من الطاقة سوف يعزز من جاذبية الطرح الأولي لحصة 5% من شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو في أعين المستثمرين؛ لأن زيادة كميات النفط المصدرة إلى الخارج تعني مزيدا من الإيرادات للمستثمرين الذين سوف يشترون أسهم أرامكو، كما أن أرامكو سيكون لديها مزيد من النفط لتصديره عند الحاجة ويمكنها أيضا بيع الوقود بأسعار أعلى في السوق المحلية، وهذا من شأنه أن يساعد في تقييم أسهم الشركة.
وأخيرا، لا شك أن رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه تقلق وتزعج المواطن السعودي، الذي تعود على أسعار شبه مجانية في السابق ولفترة طويلة، وهذا بدوره انعكس على سلوك عام لدى المجتمع بعدم الترشيد والمزيد من الاستهلاك، بالمقابل استنزاف كبير وضخم لميزانية الدولة. بالتالي ما تقوم به الدولة هو علاج مؤلم لكنه بالنهاية يحقق تنمية مستدامة تلبي احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة في الحياة في مستوى لا يقل عن المستوى الذي نعيش فيه أو أفضل منه.
وأخيرا، لا شك أن رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه تقلق وتزعج المواطن السعودي، الذي تعود على أسعار شبه مجانية في السابق ولفترة طويلة، وهذا بدوره انعكس على سلوك عام لدى المجتمع بعدم الترشيد والمزيد من الاستهلاك، بالمقابل استنزاف كبير وضخم لميزانية الدولة. بالتالي ما تقوم به الدولة هو علاج مؤلم لكنه بالنهاية يحقق تنمية مستدامة تلبي احتياجات الجيل الحالي دون إهدار حقوق الأجيال القادمة في الحياة في مستوى لا يقل عن المستوى الذي نعيش فيه أو أفضل منه.