كل تلك العناصر المهمة جدا لتوفير تعليم جيد ومعاصر تخضع للمتغيرات التي يعيشها الناس على كوكب الأرض في هذا العصر الرقمي. ومن مميزات هذه المتغيرات أن إمكانية الدمج أو المواءمة بينها وبين أنظمة قديمة في التعليم لم تعد مجدية؛ لأن كل طرق التعلّم أصبحت مختلفة، وكذلك مقدار الحاجة إلى البيانات المحفوظة في الذاكرة لم تعد ذات قيمة لإمكان الحصول عليها باستمرار، وبسهولة بالغة جدا.
فما يحتاجه المتعلمون حاليا هو طرق التعامل مع البيانات التي تزداد عن الحاجة، وكيفية الوصول إليها بسرعة، وبالكيفية والتحديد الذي يرغب فيه المتعلم، ويهدف إليه برنامج التعليم، سواء في المدرسة وما قبلها، أو في مراحل التعليم الجامعي المختلفة، أو التدريب العملي ودورات التعلم الإضافية. ما هي هذه الطرق العملية؟ ومن الذي يقوم بتصميمها والإشراف عليها وتطويرها باستمرار، وفقا للتغيرات السريعة كما ذكرنا؟ من المؤكد أنها ليست متماثلة، ولا حتى متقاربة في مراحل التعليم المختلفة وبرامجه المتباينة. فلكل برنامج ومرحلة طريقة تناول ومقاربة تتناسب مع الأهداف، ومع حاجات المتعلمين، والمراحل التي قطعوها في التعلّم الكيفي المناسب لهذا العصر. لكنها جميعا تتفق في أن الواقع لكل من البيئة والفرد المتعلم والمواد المتاحة للتعلم هي التي تحكم صياغة الأهداف، وبالتالي تحديد الطرق المناسبة للتعلم، والكم الذي يحتاجه المتعلم من أدوات التعامل مع البيانات وطرق الحصول عليها.
وربما تكون أهم مفاصل ذلك التداخل بين الطرق والأدوات والأهداف من جهة، والمعلمين والمتعلمين ومؤسسات التعليم من جهة أخرى، هو ركن الناحية العملية: فلا يمكن أن يكون أي من هذه العناصر معاصرا، ما لم يكن نابعا من تصور واقعي لكل ما يؤثر في حياة الناس الحالية، وليست الأوضاع المفترضة التي بقيت نظم التعليم في كثير من بلدان العالم المتأخرة تتشبث بها لأسباب روتينية أو أيديولوجية أو اقتصادية (لعدم الرغبة في إثارة ما يمكن أن تكون له تبعات اقتصادية غير مرغوب فيها)، أو حتى لعدم العلم بأهمية التحول إلى الموضوعات التي تكون على مساس مباشر بحياة البشر، خاصة بعد التحولات في العالم الواقعي لدى كثير من بلدان العالم من الدرس النظري في العالم الرقمي إلى ما أصبح يطلق عليه انترنت الأشياء.
وكنت في مراحل متفرقة من فحص تغير اختلاف أجيالنا جراء التعليم الذي تتلقاه في التعليم قبل الجامعي، وفي بعض الأحيان في المرحلة الجامعية نفسها، أطرح على المتعلمين بعض الأسئلة الإجرائية بشأن اعتماد الأدوات الرقمية المساعدة في تسهيل عمليات التذكر لما يود المرء القيام به، أو مساعدته في برمجة الالتزامات التي يجب عليه القيام بها في فترات محددة. وكانت الإجابات في الغالب تأتيني بأنهم لا يعتمدون على التقنية في سبيل رفع كفاءة الأداء، وربما كانوا يتبعون الطرق التي تتبعها الأجيال السابقة لهم من تعود على ترك كل شيء إلى وقته. ومع انتشار ظاهرة التشتت في هذا العصر الرقمي، فإن تلك الطرق التقليدية لن تكفي لجعل المرء يقوم بهذه الأشياء المتباينة، والمتعددة المصادر والمرجعيات، إلا إذا اعتمد على مساعدة التقنية التي رغم إسهامها في ظاهرة التشتت، فهي تساعد أيضا على تنظيم الأوقات والجهود، وهذا ما يجعلني أقول إن نظام التعليم لدينا لم يركز على الإفادة في هذا الشأن