للشهر الكريم حرمته وقدسيته، ليس لدى المسلمين فقط، بل ولدى أصحاب الديانات الأخرى الذين يتواجدون في بلاد المسلمين خلال الشهر الكريم، فنراهم يحرصون على عدم الجهر في الأماكن العامة بما يتناقض مع التعاليم الرمضانية؛ احتراما لمشاعر الصائمين، وفي بلدان أجنبية تسن القوانين لاحترام الصيام والصائمين، لكن ما يحز في النفوس، وما يكدر الخواطر، أن يأتيك من المسلمين من لا يعبأ بحرمة هذا الشهر الكريم وقدسية الصيام، مكتفيا بالجوع والعطش إذا صام، ناسيا أن (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا استنكرنا سلوكيات بعض البشر في رمضان من إسراف في موائد الطعام، ومن عادات غذائية غير صحية تجلب لمرتكبيها الأمراض العديدة نتيجة الإسراف في تناول الأطعمة الرمضانية المتخمة بالسكريات والنشويات وغيرها من المواد الضارة عندما تزيد عن حاجة الجسم الطبيعية.. فإننا لا ننسى المشاهدات التلفازية الخاطئة في الشهر الكريم، بما يقدم فيها من مسلسلات تستهلك من أوقات مشاهديها، ما يجب أن يصرف في أمور مفيدة ونافعة، وتحقن في نفوس أولئك المشاهدين قيما وعادات وأفكارا وتشوهات لا تحمل الخير إن لم نقل أنها تجسد الشر بكل معانيه.
معظم المسلسلات التلفازية الرمضانية ينطبق عليها هذا الكلام، إذ قلما تخلو مما يتعارض مع ما تعود عليه المسلمون في الشهر الكريم من الحرص على تجنب كل ما قد يخدش صيامهم أو يشغلهم عن قيامهم، بقلوب خالية من عوامل الإلهاء ومسببات الجنوح للتفكير في المعاصي التي قد توحي بها بعض تلك المسلسلات، بما تحمله من مواقف تخدش الحياء، ومناظر الإغراء من خلال الملابس غير المحتشمة والحوار الفج، ناهيك عن ما تحتويه بعض تلك المسلسلات التي تسمى تاريخية من تشويه لتاريخ الإسلام والمسلمين؛ لأن القائمين عليها حفنة من التجار الذين لا يهمهم سوى الربح المادي، كما لا يهم القنوات الفضائية التي تعرضها غير الربح من خلال موارد الإعلانات التي تعرض خلال هذه المسلسلات وبأسعار تفوق مثيلاتها في الحالات العادية، مما يعني أن مئات الملايين تهدر من ثروات البلاد لإنتاج هذه المسلسلات والإعلان بها أثناء عرضها، دون أي مردود إيجابي على المشاهدين، سوى متعة المتابعة الآنية لحلقات هذه المسلسلات، وهي متعة لا تحمل أي قيمة مضافة للمشاهد: دينية أو إنسانية او أخلاقية، بل العكس هو النتيجة الطبيعية لعرض هذه المسلسلات، وكل ذلك في رمضان، الذي نسيء التعامل معه، وبشكل ملفت للنظر، دون تأمل في ما قد يجلبه ذلك علينا من نتائج سلبية، وذنوب لا يعلم إلا الله مداها وخطورتها، وبعد ذلك يأتيك من يدافع عن هذه المسلسلات بحجة أنها مادة ترفيهية،حيث تطمئن فيه قلوبهم في رجاب الإيمان، وتستكين فيه نفوسهم في ظلال القرآن الكريم وتدبر آياته، ليكون حجة لهم لا حجة عليهم.
نحن نعرف أنه في الشهر الكريم تكبل الشياطين، لكننا لا نعرف لماذا تستيقظ الإساءات للشهر الكريم، وهي معادلة غريبة، نراها في بلاد إسلامية ممثلة في هذه المسلسلات التلفازية، التي امتد هجيرها من مشرق العرب إلى مغربهم، وهي عادة سيئة أصبحت مفروضة على المسلمين، وتحشد لها الطاقات البشرية الكبيرة، والأموال الطائلة، والتسويق المغلف بالأكاذيب عن قيمة ما لا قيمة له.