ذكر لي أحد المتقاعدين أنه يتمنى تعلم حرفة مثل الكهرباء أو السباكة أو النجارة أو صيانة الجوالات وغيرها ويفتتح مشروعه الخاص، وهذه فكرة جيدة لو تم التركيز على هذه الفئة مبدئيا في موضوع توطين الحرف، فهم يمتلكون الخبرة والتجربة ولديهم قوة التحمل والصبر وأضمن في الاستمرارية من الشباب صغار السن الذين مازالوا في مقتبل العمر وليست لديهم التزامات مالية بعكس المتقاعدين الذين يبحثون عن زيادة لمصادر الدخل، كما أن الحاجز النفسي الموجود بسبب هذه الحرف عندما نشاهد فئة المتقاعدين يعملون بها سيتم كسره وتعتبر خطوة أولى ليتم ضم الشباب لهذه الأعمال التي ستوفر آلاف الفرص الوظيفية.
قديما كانت الحرف بأيدي أبناء وبنات الوطن، ولو مررنا على الجنادرية لشاهدنا أن جميع تلك المهن القديمة يعمل بها كبار السن الذين مازالوا محتفظين بها قبل أن تستولي على صناعتها العمالة بشكل كامل ثم تندثر كما اندثر غيرها، البناء بالطين في منطقة نجد كان يقوم به أبناء الوطن الذين احترفوا هذه الصناعة ولم يمنعهم من مزاولتها العيب، وكان يطلق على المسؤول عن هذا العمل (استاد) الذي يزاول بنفسه البناء ويتولى احضار البنائين ومتابعة العمل بنفسه وربما هو من يقوم بالتخطيط للمنزل بمساعدة صاحب العمل، وهذه شواهد أعمالهم في جميع المدن والقرى مازالت قائمة من عشرات السنين تحكي طموح وعصامية أبناء الوطن في كل مكان، ولكن مع تغير الزمن والوقت تحولت هذه المهنة بأيدي الوافدين الذين استولوا عليها تماما وأخذوا أسرارها من آبائنا، وكذلك مهنة غرس وقلع النخيل التي برع فيها آباؤنا من مئات السنين ولا ينافسهم فيها أحد لم يعد لأبناء الوطن أي تواجد فيها وأصبحوا كالغرباء عنها ويستعينون بالوافد لإتمام هذه المهمة.
صناعة السدو برع فيها نساء الجوف بشكل كامل وتحدث عن هذه الصناعة وجودتها الكثير من المستشرقين من عشرات السنين، واختفت كما اختفى غيرها ولم نعد نشاهد بقاياها إلا في مهرجان الجنادرية، وكذلك صناعة الخوص في الأحساء أخذ أسرارها العمالة واندثرت من أبناء الوطن.. فهل يعيدها المتقاعدون إلينا مرة أخرى؟.