انتهت يوم الثلاثاء الماضي 6 نوفمبر 2018 عاصفة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية بالنتيجة التي أصبحت معروفة للجميع، أن الجمهوريين تمكنوا من بسط نفوذهم على مجلس الشيوخ الذي يضم 100 مقعد، في الوقت الذي حصل الديموقراطيون على سيطرة في مجلس النواب. المجلسان الموقران هما ما يمكن أن نشبههما بحجرتي البرلمان الأمريكي أو الكونجرس. هذه الحالة التقاسمية إلى ماذا تشير في قراءتها الأولية؟
أبرز إشارة يمكن أن نخرج بها كمراقبين من بعيد للحدث الأمريكي، إزاء الشأن الأمريكي بشكل عام هو أن العامين المتبقيين من عمر إدارة الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب سيواجهان بعراقيل من قبل الديمقراطيين الذين يبُدون منذ انتخاب الرجل، ووصوله لمقعد الرئاسة قبل عامين أنهم يختلفون معه بدرجات متفاوتة بحسب القضايا والملفات محل الجدل.
هذه الحوصلة أو الفهم البسيط هي ما تعني الإنسان المهتم سواء كان أمريكيا، أو من أي بلد في العالم أن يعرفه، عن هذه الجزئية في السياسة الأمريكية. ولكن المختصين أو من يحبون مزيدا من التوغل في الموضوع نقول لهم: إن هناك دوائر ثلاثا يجب مقاربتها عند الحديث عن موضوع الانتخابات النصفية الأمريكية. الدائرة الأولى: أن هذا الحدث، والحراك السياسي والإعلامي هو حدث أمريكي خالص. وأنه يحدث في كل الولايات الرئاسية، بمعنى يحدث كل ذلك مع كل الرؤساء الأمريكيين، ولكن ما أعطى زخماً لهذه الانتخابات النصفية في الفترة الأولى من رئاسة السيد ترامب، أنه غير متناسق في العمل مع الديمقراطيين كمنافسين تقليديين، ولا مع أطراف جمهورية، أي من ذات الحزب الذي يحكم باسمه، وأن العلاقة بين الرجل وبين الإعلام الأمريكي علاقة متوترة ومشوبة بكلام كثير، فيه الاتهام والتجريح والتخوين والكذب.
أما الدائرة الثانية، فهي دائرة عالمنا الواسع وما يربطه من علاقات جيدة، وممتازة، أو متوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وإذا أخذنا العالم كقطاعات عريضة فهناك العلاقة مع الروس، ثم العلاقات مع الاوربيين، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، ومع العرب. ولكل طرف مسار يحاول معالجة أموره وقضاياه مع اللاعب الأمريكي، الحوت الضخم الذي إذا تحرك بطريقة غير محسوبة هنا، أو هناك فإنه يتسبب في كثير من الاضطراب للعالم.
الدائرة الثالثة هي ميادين العلاقات الثنائية الأمريكية مع كل طرف، وشكلها، وطبيعتها، واحتمالات مآلها. فالعلاقة مع الروس والصينيين على سبيل المثال، ليست في أحسن حالاتها، الروس يتهمهم من يودون الإطاحة بالرئيس بأنهم ضالعون في الانتخابات التي أوصلت الرجل إلى الرئاسة، والصينيون يردون بحرب تجارية بدأتها عليهم واشنطن، والأوربيون لا يعجبهم كثيرا التعاطي مع حكومة السيد ترامب، كونه يرى أن له مزايا أمنية عليهم، إضافة إلى قلقهم على كثير من المصالح التجارية والاقتصادية إثر خروج الولايات المتحدة من اتفاق النووي الإيراني من طرف واحد.
هل ما ذكرناه أعلاه كل المشهد؟ بالطبيعة لا، فهناك أمور أهم هناك الملفات وطبيعتها، الدول تتعاطى مع حزمة ملفات منها الاستراتيجي، ومنها التكتيكي، بعبارة أخرى، الدول تحاول ألا تخسر أمام أي طرف حتى وإن كان بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك تضع التكتيكي في المقدمة، كإشارة على إمكانية التنازل عنه، ولكن بمقابل إما في حجمه، أو أصغر أو أكبر قليلاً.
الوضع الأمريكي بعد هذه الانتخابات النصفية هل سيغير من التعاطي السياسي الأمريكي مع أي من الأطراف الدولية؟ يمكن أن نجيب بنعم، بالقدر الذي يمكننا أن نجيب بلا، وكل ذلك تبعا لطبيعة القضايا التي يتم التعاطي بشأنها، الأمر الآخر أنه وإن كانت أمريكا بحراكها السياسي وقوتها العسكرية والاقتصادية الضخمة جدا واقعا على هذه الأرض فالدول الأخرى التي تقف في مقابل أمريكا هي أيضا دول، ومجتمعات، وحقائق سياسية على الأرض، والتساوي هنا معنوي وقانوني بحسب نصوص القانون الدولي. وتبقى القوة اعتباراً آخر دائماً.