قد يكون من الصعب جدا السيطرة على تهور بعض الشباب في مواسم الأمطار من المجازفة في مواجهة السيول، والدخول في الأودية ومجاري المياه والأماكن الخطرة مما قد يعرض حياتهم للخطر، وفي المقابل لا يمكننا أن نلوم أجهزة الدفاع المدني إن لم تتمكن من تغطية كافة مساحة البلاد بفرق الإنقاذ، وبالتالي فإن الرهان على فاعلية التوعية في الحد من مخاطر مغامرات السيول، هو في تقديري رهان فاشل مهما توالت التحذيرات، ومهما شاهد الناس من الفيديوهات التي تصوّر كارثية تلك المغامرات، والخسائر الفادحة التي تنجم عنها، وسأقول لكم لماذا هي فاشلة؟.
في تقديري أننا وبحكم نشأتنا الصحراوية، وبحكم شح المياه، وندرة الأمطار، نعاني متلازمة نفسية، إن صحت التسمية، تتصل بفقدان بوصلة التعقل مع أول «طشّة» مطر، بحيث لا نستطيع أن نقاوم غواية الفرح العارم بهذا القادم العزيز، الذي نعتقد أنه يستحق أن نحتفل به عبر العودة معه إلى عبث الطفولة، نشعر أن المطر لا يحررنا من العطش المادي وحسب، وإنما يحررنا كذلك من العطش المعنوي، من الصرامة، من العبوس، من التكشير، إلى تلك المشاعر الباسمة التي تدغدغ القلوب، وتنعشها، وربما دفعتها أحيانًا جرّاء طغيان الفرح إلى نسيان أو تجاوز فكرة المخاطر، استجابة لغواية المطر، وبالتالي الخروج عن النص.
لذلك لن تجدِي المواعظ نفعًا، ولن تحول دون الحد من مخاطر مجازفات السيول، لأن المطر في ثقافتنا الصحراوية لا يعني الجو السيئ كما يحدث في لندن، ولأن المطر في ثقافتنا اليابسة هو فرصتنا لكسر العبوس والجفاف والعطش حتى في المشاعر الذي يكاد يغلف حياتنا كلها باستثناء هذا الموسم المبتل الذي لا يزورنا إلا لمامًا، ولو تأملنا جيّدا لوجدنا أن المغامرات لا تقتصر فقط على طيش الشباب، وإنما تمتد كذلك إلى الكهول وربما الشيوخ. بمعنى أن القضية قضية فاقد نفسي يجري التعبير عنه غالبا دون حسابات مسبقة، مما يؤدي بالنتيجة إلى تلك الكوارث.
وبناءً على هذه الصورة فإنني أريد أن أطرح اقتراحا للدفاع المدني، وهو أن يتبنى فكرة (المنقذ المتعاون) بحيث يعلن لمن يرغب من الشباب من هواة ارتياد البراري الانضمام إلى دورات مصغرة في الإنقاذ من مخاطر السيول لا تتعدى الساعات مع تزويدهم في مواسم المطر ببعض أدوات الإنقاذ كالبندقية الخاصة برمي الحبال، وحبال الإنقاذ، وأطواق النجاة، وألواح الخشب أو الفلين، والخطافات وما إليها من وسائل الإنقاذ، بضمان معرفة هوياتهم الوطنية على أن تسترد بعد الموسم، وبهذه الطريقة فقط نضمن تغطية الحيز الأكبر من البراري، وأنا على يقين أنها ستكون أكبر أثرا من أي توعية مهما كانت، والله يحفظ الجميع.