أشارت الإحصائيات الصادرة من وزارة العدل عن حالات الزواج والطلاق خلال العام الماضي إلى ارتفاع حالات الطلاق، فمنطقة مكة المكرمة احتلت المرتبة الأولى بين مناطق المملكة في حالات الزواج والطلاق، حيث بلغت في شهر صفر مثلاً (1556) حالة مقابل (2678) حالة زواج، فيما بلغت في الرياض (1336) مقابل (2416) حالة زواج، أما في المنطقة الشرقية فقد بلغت (660) مقابل (1020)، فيما كانت منطقة الباحة هي المنطقة الأقل في حالات الطلاق التي بلغت (66) حالة طلاق فقط.
إذا لاحظنا أن حالات الطلاق التي عددناها هي حصيلة شهر واحد فقط، وأن نسبة حالات الطلاق إلى ما يقابلها من حالات الزواج تكاد تصل 50% أو أقل بقليل ثم أمعنا النظر فيما يتبع ذلك من مشكلات خاصة في حالة وجود أبناء بين الأزواج المطلقين وما يسببه ذلك من تفكك للأسر وآثار سلبية على الأبناء الذين يكونون بلا شك عرضة لكل ما يترتب على حالات الطلاق من آثار يعود أثرها أيضًا على سائر المجتمع؛ أدركنا أهمية تقصي أسباب وجذور المشكلة والحلول التي تقلل من آثارها، ولا شك أن ذلك يحدث رغم الجهود التي تبذلها المؤسسات الاجتماعية والقضائية للحد من هذه المشكلة وآثارها، وفي طليعة ذلك جهود مراكز وجمعيات التنمية الأسرية والدراسات التي تجريها هذه الجهات لأسباب المشكلة والتي تجمع على أن ارتفاع نسبة الطلاق يعود لضعف ثقافة الحياة الزوجية لدى الشباب والفتيات المقبلين على الزواج، وعدم تأهيلهم لهذه النقلة في حياتهم، وغياب فرصة التعرف على الفروق بين شخصياتهم وظروفهم وسلوكياتهم والتعامل إيجابيًا مع هذه الفروق وتقبلها قبل أن تتحول إلى مشاكل يصعب حلها، وغياب المعايير الصحيحة التي يتم بموجبها اختيار الزوج أو الزوجة أو أن الاختيار يتم غالبًا وفق معايير مادية أو غيرها دون مراعاة للجوانب النفسية والاجتماعية، وتباين توقعات كل طرف من الطرف الآخر، وقدرة كل منهما على التكيف على ما تقتضيه الحياة المشتركة من تغير في السلوك الفردي لكل منهما. كل ذلك يقتضي إجراء مزيد من الدراسات التي تربط بين المسببات وظروف الحياة المعاصرة ومستجداتها وأحكامها، ومراجعة آليات التصدي الحالية للمشكلة والتي تعتمد على التحكيم الذي تقوم به لجان الإصلاح وتغلب عليه النواحي الشخصية والعاطفية مما يقتضي إعادة النظر في ثقافة أعضاء هذه الهيئات وتدريبهم وتوعيتهم بالتغير في أدائهم الذي يجب أن يلتفت إلى النواحي النفسية والعاطفية والشخصية إضافةً إلى النواحي المادية والاجتماعية أيضًا، وكذلك تحديد دور كل من الأسرة والمدرسة والجامعة ومراكز البحث في الجهات المهتمة بالأسرة والمجتمع والقضاء، وتحليل المعلومات والوصول إلى النتائج من خلالها، كما ينبغي الالتفات إلى آثار المغالاة في المهور والأعباء الاقتصادية والمالية التي يتحملها الأزواج وهي عوامل تمتد آثارها لتكون أحد الأسباب التي تدفع إلى الطلاق.
إن إطلاق الأرقام وحده لا يكفي كما أن إبداء الحزن والقلق لا يكفي أيضًا.. لا بد أن يكون هذا المؤشر الذي يصل بحالات الطلاق إلى نصف حالات الزواج جرس إنذار يحث على مزيد من الجهود التي تضع حلولاً ناجعة قبل فوات الأوان.. خاصةً وأن الظروف العالمية قد أدت محليًا وعالميًا إلى ضعف الإقبال على الزواج ووجود مشكلة أخرى ذات صلة هي تزايد أعداد الفتيات اللاتي يتأخرن في الزواج.. مما يجعل الحلول أكثر إلحاحًا.