تعد المضادات الحيوية من أهم الاكتشافات على مر التاريخ، فهي مهمة للقضاء على البكتيريا الضارة، ولكنها قد تتحول إلى كارثة عالمية إذا لم تستخدم بالطريقة السليمة، خصوصا مع تهاون بعض الصيادلة والعاملين في المجال الصحي في صرف هذه المضادات بدون وصفة طبية، ما جعل وزارة الصحة تشدد على منع صرفها لاي مريض لا يملك وصفة من طبيب متخصص.
إقرار وإصرار
على ضوء ذلك أشار الصيدلي محمد سليم إلى أنه ومن قبل أن يتم المنع من قبل وزارة الصحة كان الصيادلة حريصين جدًا على عدم صرف المضادات الحيوية بدون وصفة طبية خشية الأضرار المترتبة على ذلك، حتى مع إصرار البعض على الحصول عليها، والذي يجعل قليلا من الصيادلة يضطرون للموافقة على صرفها.
مشكلة مميتة
من جهته أوضح استشاري الأمراض الباطنية والأمراض المعدية، المتخصص بالحمى والمضادات الحيوية د. نزار باهبري، أنه على الرغم من أن المضادات الحيوية ضرورية للقضاء على البكتيريا الضارة إلا أنه يتوجب وضع حد لعشوائية الاستخدام، فنحن لا نرغب بخسارة المضادات الحيوية كما خسرنا مفعول إبرة البنسلين، مبينًا أن سوء استخدام المضادات الحيوية يزيد من مقاومة البكتيريا لها، فتصبح عديمة الفائدة وهذا ما سيقود العالم إلى مشكلة كبرى مميتة.
تقنين الاستخدام
وعن استخدام المضادات الحيوية للأطفال وتأثيرها عليهم قال د. حاتم تركستاني استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة: «إن موضوع المضادات الحيوية واسع جدًا والناس مع الأسف ما بين إفراط وتفريط، فمن واقع خبرتي المتواضعة عندما أتحدث عن طب الأطفال فهناك نوعان من الوالدين، الأول يقاتل من أجل المضاد دون حاجة طفله إليه، والآخر من يرفضه رفضًا تامًا، تخوفًا من مضاعفات سوء استخدامه، ولكن الأمر الذي يتوجب معرفته أن الله سبحانه وتعالى خلق مجموعة من الميكروبات منها (البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات) ووحدها البكتيريا ما تحتاج لمضاد حيوي، وفي الوقت ذاته فإن المضاد لا يفرق بين البكتيريا النافعة والضارة ويقوم بالقضاء على كليهما وهذا ما يترتب عليه أمور عدة».
وأشار تركستاني إلى أن المضادات الحيوية أدوية مهمة جدًا وأنقذت مليارات البشر بأمر الله تعالى لكن لا بد أن تكون مقننة الاستخدام حسب الدليل العلمي، فإن تناولها بطريقة غير مقننة يجعل الجسم يربي مناعة ضدها، فتصبح بلا فائدة وفاعلية وكل الدراسات في العالم تُجمع على أن المسألة مسألة وقت والميكروبات ستصبح عنيفة جدًا، فهذه قنبلة موقوتة إذا انفجرت لا سمح الله ستكون العواقب وخيمة.
وأردف قائلًا: «من رأيي أن الوعي لا بد أن يكون في اتجاهين، من جهة الوالدين والأطباء فمن الضروري أن يخصص الطبيب الوقت ليشرح لذوي الطفل عن مدى حاجة طفلهم للمضاد من عدمه، فتخصيص ٥ دقائق كفيلة بزيادة معدل الوعي لدى الآباء والأمهات».
عقوبات رادعة
وبينت الهيئة العامة للغذاء والدواء لـ «اليوم» أن المضادات الحيوية مسجلة كأدوية وصفية، وصرفها من دون وصفة طبية يعد مخالفاً للنظام، ويعرض الصيدلي المخالف للعقوبة والجزاء بناء على المادة الثالثة والعشرين من نظام مزاولة المهن الصحية، وقد تصل عقوبة الصيدلي بسبب هذه المخالفة إلى السجن لمدة ستة أشهر، وغرامة مالية قدرها مائة ألف ريال.
بصيص أمل
تسعى المنظمات الصحية في الوقت الحالي لإيجاد بدائل للمضادات الحيوية تفاديًا لما قد تسببه عشوائية استخدامها، وفي هذا الإطار طُرحت دراسة جديدة تعطي الأمل بأن يتمكن العلماء من إيجاد بديل فعال للمضادات الحيوية، وذلك في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للتغذية نيوترشن الأخير الذي عقد في يونيو 2018 ببوسطن، حيث أجرى مجموعة من الباحثين تجربة سريرية لتحديد مدى فاعلية فيروس متخصص يدعى «ملتهم الجراثيم bacteriophages» ويعمل على التأثير على نوع معين من البكتيريا، بعكس المضادات الحيوية التي تعمل ضد البكتيريا النافعة والضارة، وهذا بديل إيجابي سيخلص الانسان من أعراض جانبية عديدة منها ضعف المناعة ومضاعفات عدة بالأمعاء.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه التجارب السريرية لا تعني ظهور الفيروسات المتخصصة في الصيدليات في الوقت الراهن، ولكنها ستوفر زخمًا من الوقت والجهد لإجراء المزيد من البحوث.