إنه موقف يدل على سماحة الإسلام وتواصله الإيجابي مع الآخر، ودلالة واقعية على الترابط الوثيق بين المؤمنين، وإن اختلفت أزمانُهم وبعُدَت أماكنهم.
يوم العاشر من المحرم (يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ) كما جاء وصفه في الحديث الذي رواه البخاري (1893)، وقد أمر الله تعالى بالتذكير بما في أَيَّامِ اللهِ من العِبَر والدروس: {.. وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سورة إبراهيم (5).
وقد وثّق القرآن الكريم هذا الحدث، الذي كان إنقاذًا لقوم موسى من بطش فرعون، وتعذيبه لهم، حيث أمر الله تعالى موسى وهارون «عليهما السلام» بالتوجّه إلى فرعون {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} سورة طه (47).
ورفض فرعون هذا المطلب العادل، فسعى موسى إلى ترتيب عاجل لخروج قومه معه من مصر في اتجاه سيناء حتى اقتربوا من البحر، لكن كاد فرعون وجنده يلحقوا بهم بغيًا وعدْوًا، (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) سورة الشعراء.(61-62)
وتأمل ماذا حدث لهؤلاء القوم المستضعفين بعد أن بذلوا ما بوسعهم للفرار من الظلم والتعذيب، فانتهى أمرهم أن صار البحر من أمامهم والعدو من خلفهم يوشك أن يدركهم.
هنا جاءهم التأييد من الله تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66).
وصدق الله إذ يقول (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم (47) إنه نصر الله مرتبط بتحقق صفة الإيمان وبذل الجهد على قدر الاستطاعة، والمؤمن لا يتخذ الوعد الإلهي بالنصر ذريعة للقفز فوق السنن أو لتعطيل دوره في الإعداد والتحضير.
ولكي تنتصر أمتنا على التحديات الكبار التي تواجهها في وقتها الراهن، عليها أن تثق في وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين مستلهمة ذكريات النصر ومتحرّية سننه وأسبابه متّحدة خلف قيادتها.
ولنتذكر دائمًا قول نبينا - صلى الله عليه وسلم -(اعلمْ أنّ النَّصرَ مع الصبرِ وأنَّ الفرَجَ مع الكَربِ وأنَّ مع العُسرِ يسرًا) رواه أحمد ٢٨٠٤.
أبشروا فإن نصر الله قريب، ولن يتخلف النصر عن أمتنا؛ لكنه قد يتأخر بقدر تفريطنا في مقوّمات النصر.
لكي تنتصر أمتنا على التحديات الكبار التي تواجهها في وقتها الراهن، عليها أن تثق في وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين مستلهمة ذكريات النصر ومتحرّية سننه وأسبابه، متّحدة خلف قيادتها